كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)} [المزمل/ ٨ - ٩].
ومما يقرِّر هذا أنَّ اللَّه سبحانه خلقَ الخلقَ لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه ومحبته والإخلاصِ له. فبذكره تطمئنُّ قلوبُهم، وبرؤيته في الآخرة تقرُّ عيونُهم. ولا شيء يعطيهم في الآخرة أحبَّ إليهم من النظر إليه، ولا شيء يعطيهم في الدنيا أحبَّ إليهم من الإيمان به، ومحبتهم له، ومعرفتهم به.
وحاجتهم إليه في عبادتهم له وتألُههم له كحاجتهم إليه -بل أعظم- في خلقه لهم (¬١)، وربوبيته لهم، ورزقه لهم. فإنَّ ذلك هو الغاية المقصودة التي بها سعادتُهم وفوزُهم، وبها ولأجلها يصيرون عاملين متحرّكين، ولا صلاح لهم ولا فلاح ولا نعيم ولا لذَّة ولا سرور بدون ذلك بحال. فمن أعرض عن ذكر ربِّه فإنَّ له معيشةً ضنْكًا، ويحشره يوم القيامة أعمى. ولهذا لا يغفرُ اللَّه لمن يشرك به شيئًا، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ولهذا كانت "لا إلهَ إلا اللَّه" أفضلَ الحسنات، وكان توحيدُ الإلهية الذي كلمته "لا إله إلا اللَّه" رأس الأمر.
فأمَّا توحيد الربوبية الذي أقرَّ به كلُّ المخلوقات فلا يكفي وحده، وإن كان لا بُدَّ منه، وهو حجة على من أنكر توحيدَ الألوهية، فحقُّ اللَّه على العبادِ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقُّهم عليه إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم وأن يكرمهم إذا قدموا عليه.
وهذا كما أنَّهُ غايةُ محبوب العبدِ ومطلوبه، وبه سروره ولذَّته ونعيمه، فهو أيضًا محبوبُ الربِّ من عبده ومطلوبُه الذي يرضى
---------------
(¬١) "لهم" ساقط من "ط".

الصفحة 118