كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وكان يقولُ لهم: "أيها النَّاس، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي، إنَّما أنا عبد" (¬١) وكان يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيحَ ابن مريم، إنَّما أنا عبد، فقولوا: عبد اللَّه ورسوله" (¬٢).
وذكره اللَّه عزَّ وجل بسمة العبودية في أشر مقاماته: مقام الإسراء، ومقام الدعوة، ومقام التحدى (¬٣). فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء/ ١]. وقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن/ ١٩]، وقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة/ ٢٣]. وفي حديث الشفاعة: "إنَّ المسيح يقول لهم: اذهبوا إلى محمد عبدٍ غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" (¬٤). فنالَ ذلك المقام بكمال عبوديته للَّه وبكمال مغفرة اللَّه له.
وتأمَّل (¬٥) قوله في الآية: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر/ ١٥] فعلَّق الفقر إليه باسمه "اللَّه" (¬٦) دون اسم الربوبية ليؤذن بنوعي الفقر، فإنَّه
---------------
(¬١) أقرب لفظ لما ساقه المؤلف ورد عن الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما. أخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة (١٥٩) بلفظ "يا أيها النَّاسُ لا ترفعوني فوق حقي، فإن اللَّه عزَّ وجلَّ قد اتخذني عبدًا قبل أن يتخذني نبيًّا".
وأخرجه الطبراني في الكبير (٣/ ١٣٨ - ١٣٩) (٢٨٨٩)، والحاكم في المستدرك (٣/ ١٩٧) (٤٨٢٥) بنحوه.
والحديث صحَّحه الحاكم وحسَّنه الهيثمي في المجمع (٩/ ٢١) (ز).
(¬٢) من حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه. أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء (٣٤٤٥) وغيره.
(¬٣) وانظر: مفتاح دار السعادة (١/ ١١٠).
(¬٤) أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي اللَّه عنه في كتاب التفسير (٤٤٧٦) وغيره.
(¬٥) "ك، ط": فتأمَّل".
(¬٦) "ك، ط": "باسم اللَّه". وسقط من "ط": "فعلق الفقر إليه".

الصفحة 18