كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
[الإنسان/ ٥]، لأنَّ شرب المقربين لمَّا كان أكمل استعير له الباء الدَّالّة على شرب الري بالعينِ خالصةً. ودلالة القرآن ألطف وأبلغ من أن يحيط بها البشر.
وقال تعالى في سورة المطففين: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧)} إلى قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧)}، فهؤلاء الظالمون أصحاب الشمال.
ثمَّ قال: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩)}، فهؤلاء الأبرار المقتصدون. وأخبر أنَّ المقرَّبين يشهدون كتابَهم، أو يُكتَب بحضرتهم ومشهدهم، لا يغيبون عنه، اعتناءً به وإظهارًا لكرامة صاحبه ومنزلته عند ربِّه.
ثمَّ ذكرَ سبحانه نعيم (¬١) الأبرار، ومجالسهم (¬٢)، ونظرهم إلى ربِّهم، وظهورَ نضرة النعيم في وجوههم. ثمَّ ذكرَ شرابهم فقال: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦)}. ثمَّ قال: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)}، والتسنيم أعلى أشربة الجنَّة. فأخبر سبحانه أنَّ مزاجَ شراب الأبرار من التسنيم، وأنَّ المقرَّبين يشربون منه بلا مزاج. ولهذا قال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)} كما قال في سورة الإنسان سواءً.
قال ابن عباس وغيره: يشرب بها المقربون صرفًا،
---------------
= وإعراب القرآن للنحاس (٥/ ٩٨).
(¬١) "ب": "معين".
(¬٢) "ب، ك، ط": "مجالستهم".
الصفحة 422