كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الوعد يتوقف مقتضاها على شروطها وانتفاء موانعها.
قالوا: وأمَّا قولكم إنَّ "ظلم النفس" إنَّما يراد به ظلمها بالذنوب والمعاصي دون الكفر فليس بصحيح، فقد ذكرنا من (¬١) القرآن ما يدل على أنَّ ظلم النفس يكون بالكفر والشرك، ولو لم يكن في هذا إلا قول موسى لقومه (¬٢): {يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة/ ٥٤] وقوله: {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ/ ١٩]، ونظائره كثيرة.
قالت الطائفة الأولى: لو تدبرتم القرآن حقَّ تدبره، وأعطيتم الآيات حقَّها من الفهم، وراعيتم وجوهَ الدلالة (¬٣) وسياق الكلام، لعلمتم أنَّ الصوابَ معنا، وأنَّ هذه الأقسام الثلاثة هي الأقسام التي خلقت للجنَّة، وهم درجات عند اللَّه (¬٤)؛ وأنّ هذا التقسيم الذي دلّت عليه أخصُّ من التقسيم المذكور في سورة الواقعة والإنسان والمطفّفين. فإنّ ذلك تقسيمٌ للناس إلى شقيّ وسعيد، وتقسيمٌ للسعداء (¬٥) إلى أبرار ومقرّبين، وتلك القسمة خالية عن ذكر العاصي الظالم لنفسه. وأما هذه الآيات ففيها تقسيم الأُمّة إلى محسن ومسيء، فالمسيء (¬٦) هو الظالم لنفسه، والمحسن نوعان: مقتصد، وسابق بالخيرات. فإنّ الوجود شامل لهذا
---------------
(¬١) "ط": "ذكر في". "ك": "ذكرنا في القرآن ما دلَّ".
(¬٢) "لقومه" ساقط من "ك، ط".
(¬٣) "ط": "وجوهه الدالة".
(¬٤) "وأنَّ هذه الأقسام. . . " إلى هنا ساقط من "ط".
(¬٥) "ك، ط": "السعداء".
(¬٦) قراءة "ف": "والمسيء".

الصفحة 429