كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ويفنى عن غيره، ويرِقّ قلبه ولتجرَّد نفسه، فيشاهد محبوبه كالحاضر معه القريب إليه، وبينهما من البعد ما بينهما. وفي هذا (¬١) الحال يكون في قلبه وجودُه العلمي، وفي لسانه وجودُه اللفظي، فيستولي هذا الشهودُ عليه ويغيبُ به، فيظن أنَّ في عينه (¬٢) وجودَه الخارجي، لِغلبة حكم القلب والروح، كما قيل:
خيالُك في عيني، وذكرُكَ في فمي ... ومثواكَ في قلبي، فأين تغيب! (¬٣)
هذا، ويكون ذلك المحبوب بعينه بينه وبين عدوه من البعد ما بينهما (¬٤)، وإن قربت الأبدانُ وتلاصقت الديارُ. والمقصودُ أنَّ المثال العلمي غير الحقيقة الخارجية وإن كان مطابقًا لها، لكنّ المثال العلمي محلُّه القلب، والحقيقة الخارجيَّة محلُّها الخارج.
فمعرفة هذه (¬٥) الأسماء الأربعة -وهي: الأوَّل، والآخر، والظاهر والباطن- هي أركان العلم والمعرفة، فحقيق بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه وفهمه.
واعلم أنَّ لك أنت أوَّلًا وآخرًا وباطنًا وظاهرًا (¬٦)، بل كل شي فله أوَّل
---------------
(¬١) "ك، ط": "هذه".
(¬٢) "ف": "غيبة"، تصحيف.
(¬٣) أنشده المصنف في روضة المحبين (١٠٠)، والداء والدواء (٢٨٥)، ومع بيت آخر في المفتاح (١/ ٤٣٨)، وهو لأبي الحكم ابن غَلِندو الأشبيلي الطبيب الشاعر (٥٨١ أو ٥٨٧ هـ). انظر: معجم الأدباء (١١٩٤).
(¬٤) "ك": "ما بينها من البعد". ط: "وما بينهما. . ".
(¬٥) "هذه" ساقط من "ط" ومستدرك في القطرية.
(¬٦) "ك، ط": "ظاهرًا وباطنًا".

الصفحة 46