كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
أمورَ عباده بـ "لو كان كذا وكذا"، ولا بـ "عسى ولعلَّ"، ولا بـ "ليتَ"؛ بل ربُّهم تعالى أجل وأعظم في قلوبهم من أن يعترضوا عليه، أو يسخطوا (¬١) تدبيرَه، أو يتمنّوا سواه. وهم أعلم به وأعرف بأسمائه وصفاته من أن يتّهموه في تدبيره أو يظنّوا به الإخلالَ بمقتضى حكمته وعدله، بل هو ناظرٌ بعين قلبه إلى بارئ الأشياء وفاطرها ناظرًا (¬٢) إلى إتقان صنعه، مشاهدًا (¬٣) لحكمته فيه، وإن لم يخرج ذلك على مكاييل عقول البشر (¬٤) وعوائدهم ومألوفاتهم.
قال بعض السلف: "لو قُرِضَ جسمي بالمقاريض كان (¬٥) أحبَّ إليَّ من أن أقولَ لشيء قضاه اللَّهُ: ليتَه لم يقضِه" (¬٦).
وقال آخر: "أذنبتُ ذنبًا أبكي عليه منذ ثلاثين سنة" -وكان قد اجتهد في العبادة- فقيل (¬٧) له: وما هو؟ قال: "قلتُ مرَّةً لشيءٍ كان: ليته لم يكن" (¬٨).
وبعض العارفين يجعل عيب المخلوقات وتنقيصها بمنزلة العيب لصانعها وخالقها؛ لأنَّها صُنْعُه وأثرُ حكمته. وهو سبحانه أحسن كلَّ
---------------
(¬١) "ك، ط": "يتسخطوا".
(¬٢) "ف": "ناظر"، خلاف الأصل، وكذا في "ب، ك، ط".
(¬٣) "ب، ط": "مشاهد".
(¬٤) "عقول البشر" ساقط من "ب".
(¬٥) "كان" ساقط من "ط".
(¬٦) نقله المصنف في مدارج السالكين (٢/ ٢٥٩). وانظر ما سبق من أثر ابن مسعود رضي اللَّه عنه في ص (١٧٢).
(¬٧) "ك، ط": "قيل".
(¬٨) نقله في مدارج السالكين (٢/ ٢٥٨).