كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

طباعه، ولا هوى له يغالبه- بأن قالوا: كيف تستوي النفسُ المطمئنّة إلى ربِّها، العاكفةُ على حُبِّهِ، التي لا منازعةَ فيها أصلًا ولا داعيةَ تدعوها إلى الإعراض عنه؛ والنفسُ المشغولةُ بمحاربة هواها ودواعيها وجواذبها؟
قالوا: وأيضًا ففي الزمن الذي يشتغل هذا بنفسه ومحاربة هواه وطبعه يكون صاحبُ النفس المطمئنّة قد قطع مراحل من سيره، وفاز بقربٍ فات صاحبَ المحاربة والمنازعة (¬١).
قالوا: وهذا كما لو كان رجلان مسافرين في طريق، فطلع على أحدهما قاطعٌ اشتغل بدفعه عن نفسه ومحاربته ليتمكّن من سيره؛ والآخر سائرٌ لم يعرض له قاطع، بل هو على جادّة سيره، فإنَّ هذا يقطع من المسافة أكثرَ ممَّا (¬٢) يقطع الأوَّل، ويقرب إلى الغاية أكثر من قربه.
قالوا: وأيضًا فإنَّ للقلب قوَّةً يسير بها، فإذا صرفَ تلك القوَّة في دفعِ العوارضِ والدواعي القاطعَة له عن السير اشتغلَ قلبُه بدفعها عن السيرِ في زمن المدافعة.
قالوا: ولأنَّ المقصودَ بالقصد الأوَّل إنَّما هو السيرُ إلى اللَّهِ، والاشتغال بدفع العوارض مقصود لغيره، والاشتغال (¬٣) بالمقصود لنفسه أولى وأفضل من الاشتغال بالوسيلة.
قالوا: وأيضًا فالعوارضُ المانعة للقلب من سيره هي من باب المرض، واجتماعُ القلب على اللَّه وطمأنينتُه به وسكونُه إليه بلا
---------------
(¬١) "ب": "المنازعة والمحاربة".
(¬٢) في الأصل: "ما"، سهو. وكذا في "ك".
(¬٣) "ط": "فالاشتغال".

الصفحة 500