كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

غير المحبوب، واجتمعت (¬١) شؤونه كلّها على محبوبه، ولم يبقَ فيه التفات إلى غيره، كان أكمل محبَّةً من القلب الملتفت إلى الرقباءِ، المهتم بمحاربتهم ومدافعتهم والهرب منهم والتواري عنهم. قالوا: فكم بين محبٍّ يجتاز على الرقَباءِ فيُطرِقون من هيبته وخشيته (¬٢) ولا يرفع أحد منهم رأسه إليه، وبين محبٍّ إذا اجتاز بالرقباءِ هاشوا عليه (¬٣) كالزنابير أو كالكلاب، فاشتغل بدفعهم وحرابهم، أو جدَّ في الهرب منهم؟ فكيف يسوَّى هذا بهذا، أم كيف يفضَّل عليه مع هذا التباين (¬٤)؟
قالوا: وأيضًا فالمحبّة الخالصة الصَّادقة (¬٥) حقيقتها أنَّها نار تُحرِق من القلب ما سوى مراد المحبوب، وإذا احترق ما سوى مراده عُدِمَ وذهب أثرُه. فإذَا بقيَ في القلب شيء من سوى مراده لم تكن المحبّة تامَّةً ولا صادقةً، بل هي محبة مشوبة بغيرها. فالمحبّ الصادق ليس في قلبه سوى مراد محبوبه حتَّى ينازعه ويدافعه، والآخر في قلبه بقيَّة لغير المحبوب فهو جاهدٌ على إخراجها وإعدامها.
قالوا: وأيضًا فالواردات الإلهيّة تَرِدُ على القلوب على قدر استعدادها وقبولها، فإذا صادفت القلبَ فارغًا خاليًا (¬٦) من العوارض والمنازعات ودواعي الطبع والهوى ملأَتْه على قدر فراغه. وإذا امتلأ منها لم يبقَ
---------------
(¬١) "ب": "فاجتمعت"، قراءة محتملة.
(¬٢) "ب": "خشيته وهيبته".
(¬٣) أي: هاجوا ووثبوا عليه.
(¬٤) "ف": "البائن"، خطأ.
(¬٥) "ب": "الصادقة الخالصة".
(¬٦) "ك، ط": "خاليًا فارغًا".

الصفحة 502