كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

إرادات القلب السليم منها والنفس المطمئنَّة بربّها، فكلُّ إرادة منها تسير به مراحلَ على مَهَلِه (¬١)، فهو يسيرُ رُويدًا، وقد سبقَ السُّعَاةَ (¬٢)، كما قيل:
مَنْ لي بمثل سَيرِكَ المُدَلَّلِ ... تمشي رُويدًا وتجي في الأوَّلِ (¬٣)
قالوا: وأيضًا فإنَّ هذه الدواعي والإرادات إنّما تُحمَد عاقبتُها إذا ردّت صاحبَها إلى حال السليم منها، فيكون كماله في تشبّهه به وسيره معه؛ فكيف يكون أكمل ممّن كمالُه إنّما هو في تشبّهه به؟
قالوا: وأيضًا فالنفوس ثلاثة: أمّارة، ولوّامة، ومطمئنّة. والنفس الأمّارة هي المطيعة لدواعي طباعها وشهواتها، فمبادئ كونها أمّارة هي تلك الدواعي والإرادات، فتستحكم، فتصير عزَمات، ثمَّ تُوجِب الأفعال؛ فمبدأُ صفة الذم فيها تلك الدواعي. وأمَّا النفس المطمئنّة فهي التي عَدِمتْ هذه المبادئ فعدِمت غاياتها. فكيف تكون مبادئ النفس الأمَّارة ممَّا يوجب لها مزيَّةً على النَّفسِ المطمئنّة؟
فهذا ونحوه ممَّا احتجَّت به هذه الطائفة أيضًا لقولها.
---------------
(¬١) كذا ضبطت الكلمة في "ب". وفي "ف": "مُهْلة".
(¬٢) "ط": "السعادة"، تحريف. وقد تقدَّم قريبًا مثل هذا التحريف.
(¬٣) تمثل به المؤلف في مفتاح دار السعادة (١/ ٣٠٢) ومدارج السالكين (٣/ ٧). وقد أورد الميداني هذا المثل على وجه آخر؟
تسألني أمُّ الخيار جَمَلا ... يمشي رويدًا ويكون أوَّلا
وقال إنَّه يضرب في طلب ما يتعذَّر. مجمع الأمثال (١/ ٢٤٨)، وقال العسكري إنَّ قولهم: "تمشي رويدًا وتكون الأول" يراد به أنه يدرك حاجته في تؤدة. جمهرة الأمثال (١/ ٢٦٠)، وهو المراد هنا.

الصفحة 504