كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

والحقّ أنَّ كلا الطائفتين (¬١) على صوابٍ من القول، لكن كلّ فرقة لحظت غيرَ ملحظِ الفرقة الأخرى، فكأنَّهما لم يتواردا على محلٍّ واحدٍ. بل الفرقة الأولى نظرت إلى نهاية خير (¬٢) المجاهدة لنفسه وإراداته (¬٣) وما ترتَّب له عليها من الأحوالِ والمقاماتِ، فأوجب لها شهودُ نهايته رجحانَه، فحكمت بترجيحه، وأسجلَت (¬٤) بتفضيله. والفرقة الثانية نظرت إلى بدايته في شأنه ذلك ونهاية النفس المطمئنّة، فأوجبَ لها شهودُ الأمرين الحكمَ بترجيحِ القلب الخالي من تلك الدواعي ومجاهدتها. وكلّ واحدة من الطائفتين فقد أدْلَتْ بحججٍ لا تمانَع، وأَتَتْ ببيناتٍ لا تُرَدُّ ولا تُدافَع.

[مسألة شريفة أخرى] (¬٥)
وفصل الخطاب في هذه المسألة يظهر بمسألة ترتضع معها من
---------------
(¬١) كذا في الأصل وغيره بتذكير "كلا". وقد تكرَّر مثله في كتبه وكتب شيخ الإسلام. انظر مثلًا: زاد المعاد (١/ ٢٠٩)، والروح (٤٧٨)، ومفتاح دار السعادة (٢/ ٤٥٤)، ومجموع الفتاوى (٤/ ٤٦٧)، و (٨/ ٣٣٧)، و (١١/ ٧٠). وقاعدة في الاستحسان (٨٩).
(¬٢) "ك": "خبر". "ط": "سير المجاهد".
(¬٣) "ب، ك، ط": "إرادته".
(¬٤) "ف": "انحلت". "ك، ط": "استحلت" وكلاهما تحريف. وقوله "أسجلت" يعني به أنَّها أطلقت القول بتفضيله وحكمت بذلك. ومثله قول المصنف في الصواعق (٢/ ٧٩١) "أسجل عليهم بالكفر والنفاق" وقوله فيه (٢/ ٤٦٨)، "أسجل عليهم إسجالًا عامًّا. . . بعجزهم عن ذلك" أي: حكم عليهم بذلك حكمًا مطلقًا. وهو من قولهم: أسجل لهم الأمر: أطلقه لهم، وأسجل الكلام: أرسله. انظر: اللسان "سجل" (١١/ ٣٢٦).
(¬٥) في حاشية "ب": "مسألة شريفة أيضًا".

الصفحة 505