كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وكمال النصيحة للأمة. ومع هذه المقامات الثلاث -أعني كمالَ بيان المتكلم وفصاحته وحسن تعبيره عن المعاني، وكمالَ معرفته وعلمه بما يعبّر عنه، وكمالَ نصحه وإرادته لهداية الخلائق- يستحيل عليه أن يخاطبهم بشيءٍ، وهو لا يريد منهم ما يدلّ عليه خطابه، بل يريد منه (¬١) أمرًا بعيدًا عن ذلك الخطاب، إنَّما يدلُّ عليه كدلالة الألغاز والأحاجي مع قدرته على التعبير عن ذلك المعنى باحسن (¬٢) عبارة وأوجزها. فكيف يليق به أن يعدل عن مقتضى البيان الرافع للإشكالِ المزيل للإجمال، ويوقع الأمَّة في أودية التأويلات وشعَاب الاحتمالات (¬٣) والتجويزات؟ سبحانك هذا بهتانٌ عظيم! وهل قدَرَ الرسول حقَّ قدره أو مرسلَه حقَّ قدره مَن نسَب كلامه سبحانه أو كلام رسوله إلى مثل ذلك؟ ففصاحة الرسول وبيانه، وعلمه ومعرفته، ونصحه وشفقته = يحيل عليه (¬٤) أن يكون مراده من كلامه ما يحمله عليه المحرّفون للكلم عن مواضعه المتأوّلون له على (¬٥) غير تأويله، وأن يكون كلامه من جنس الألغاز والأحاجي. والحمد للَّه ربِّ العالمين.
فإنْ قلتَ: فهل من مسلك غير هذا الوادي الذي ذممته فيُسلَك (¬٦) فيه، أو من طريق يستقيم عليه السالك؟ قلتُ: نعم، بحمد اللَّه. الطريق واضحة المنار، بيّنة الأعلام، مضيئة للسالكين. وأوَّلها أن تحذف
---------------
(¬١) "ف": "منهم"، سهو.
(¬٢) "ف": "بأيسر"، تحريف.
(¬٣) "ف": "الإجمالات".
(¬٤) "ف": "عليهم"، سهو. "ب": "تحيل عليه".
(¬٥) "على" ساقط من "ك، ط".
(¬٦) "ك، ط": "فنسلك".

الصفحة 514