كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

الكمالِ، لازم للكمال، ملزوم له.
وألطف من هذا الوجهِ أنَّ اللَّه سبحانه خلق عباده المؤمنين، وخلق كلَّ شيءٍ لأجلهم، كما قال تعالى (¬١) لصالحيهم وصفوتهم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣)} [آل عمران/ ٣٣]، وقال تعالى لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)} [طه/ ٤١]. واتّخذ منهم الخليلين، والخلَّة أعلى درجات المحبة، وقد جاءَ في بعض الآثار: يقول تعالى (¬٢): "ابنَ آدم خلقتُك لنفسي، وخلقتُ كلَّ شيءٍ لك، فبحقِّي عليك لا تشتغل بما خلقتُه لك عمَّا خلقتُك له" (¬٣).
وفي أثر آخر يقول تعالى: "ابنَ آدم، خلقتُك لنفسي، فلا تلعبْ، وتكفَّلتُ برزقك، فلا تتعَبْ. ابنَ آدمَ اطلبني تجدْني، فإن وجدتني وجدتَ كلَّ شيءٍ، وإنْ فُتُّكَ فاتك كل شيءٍ، وأنا أحبّ إليك من كلِّ شيءٍ" (¬٤).
فاللَّه سبحانه خلق عبادَه له، ولهذا اشترى منهم أنفسهم، وهذا عقدٌ لم يعقده مع خَلْقٍ غيرهم -فيما أخبر به على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ليسلِّموا إليه النفوسَ التي خلقها له. وهذا الشِّرَى دليلٌ على أنَّها محبوبةٌ له
---------------
(¬١) أثبت في "ط" هنا قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان/ ٢٠]، وزاد: "وكرّمهم وفضلهم على كثيرٍ ممن خلق، فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} إلى آخر الآية [الإسراء/ ٧٠]. ثمَّ أثبت "وقال" بين حاصرتين لتصحيح السياق.
(¬٢) "ب": ". . الآثار أنَّ اللَّه تعالى يقول".
(¬٣) ذكره المصنف في روضة المحبين (٤٣٢) وشيخ الإسلام في الفتاوى (١/ ٢٣) (ص). لم أقف عليه في مظانه، وذكره المناوي في فيض القدير (٢/ ٣٠٥) (ز).
(¬٤) تقدم في ص (٩٥).

الصفحة 526