كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وجرت هذه المسألة بحضرة شيخ الإسلام ابن تيميّة، فسمعتُه يحكي هذه الأقوال الثلاثة حكاية مجزدة. فإمّا سألتُه، وإمّا سئل عن الصواب منها، فقال: الصواب أنّ من التائبين من يعود إلى مثل حاله، ومنهم من يعود أكمل مما كان (¬١)، ومنهم من يعود أنقص (¬٢) ممّا كان. فإن كان بعد التوبة خيرًا ممّا كان قبل الخطيئة، وأشدّ حذرًا، وأعظم تشميرًا، وأعظم ذلًّا وخشيةً وإنابةً، عاد إلى أرفع ممّا كان. وإن كان قبل الخطيئة أكمل في هذه الأمور، ولم يعُدْ بعد التوبة إليها، عاد إلى أنقصَ ممّا كان عليه. وإن كان بعد التوبة مثل ما كان قبل الخطيئة رجع إلى مثل منزلته. هذا معنى كلامه رضي اللَّه عنه (¬٣).

[مسألة أخرى]
قلتُ: وههنا مسألةٌ، هذا الموضعُ أخصُّ المواضعِ ببيانها. وهي أنّ التائب إذا تاب إلى اللَّه توبةً نصوحًا، فهل تمُحى تلك السيئات، ويذهب لا له ولا عليه، أوإذا مُحِيتْ أُثبِت له مكان كلّ سيّئةٍ حسنةٌ؟ (¬٤)
هذا مما اختلف الناس فيه من المفسّرين وغيرهم قديمًا وحديثًا. فقال الزجّاج: "ليس يُجعَل مكان السيئة الحسنة، لكن يجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة" (¬٥).
---------------
(¬١) "ب، ك، ط": "يعود إلى أكمل منها".
(¬٢) "ب، ك، ط": "إلى أنقص".
(¬٣) حكى المصنف كلام شيخ الإسلام في الداء والدواء (١٣٧)، ومدارج السالكين (١/ ٣٦٨) أيضًا. وانظره بعينه في منهاج السنة (٢/ ٤٣٢).
(¬٤) انظر في هذه المسألة أيضًا: مدارج السالكين (١/ ٣٧٨).
(¬٥) قول الزجاج بهذا اللفظ في معاني القرآن للنحاس (٨٤١)، وتفسير القرطبي =

الصفحة 534