كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

الوجه الثامن: أن التوكّل على اللَّه نوعان: أحدهما: توكّلٌ عليه في تحصيل حظّ العبد من الرزق والعافية وغيرها (¬١). والثاني: توكّلٌ عليه في حصول (¬٢) مرضاته سبحانه. فأمّا النوع الأول فغايته المطلوبة وإن لم تكن عبادةً -لأنّها محض حظّ العبد (¬٣) - فالتوكّل على اللَّه في حصوله عبادة، فهو منشأٌ لمصلحة دينه ودنياه. والنوع (¬٤) الثاني فغايته عبادة، وهو في نفسه عبادة؛ فلا علَّة فيه بوجه، فإنَّه استعانة باللَّه على ما يرضيه. فصاحبه متحقِّق بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)}، فتركُه تركٌ لشطر الإيمان، والعلَّة إنَّما هي في ضعف هذا التوكّل. فهبْ أنَّ التوكّل في حصول الحظّ معلول، أفيلزم (¬٥) من هذا أن يكون التوكّل في حصول مراد الرب تعالى ومرضاته معلولًا؟

الوجه التاسع: قوله: "وحقيقةُ التوكّل عند القوم: التوكّلُ في تخليص القلب (¬٦) من علّة التوكّل". فيقال: إذا كان هذا التوكّل عندك ليس بمعلول، ولا هو عمًى عن الكفاية، ولا رجوع إلى الأسباب بعد رفضها؛ بطل تعليلك التوكّل (¬٧) بما علَّلْته به. وإن كانت هذه العلّة بعينها موجودةً في هذا التوكّل بطل أن يكون علَّةً، فلزم بطلان (¬٨) كونه معلولًا
---------------
(¬١) "ط": "غيرهما".
(¬٢) "ط": "تحصيل".
(¬٣) "من الرزق. . . " إلى هنا ساقط من "ب".
(¬٤) "ط": "وأمّا النوع".
(¬٥) "ك، ط": "فيلزم" دون همزة الاستفهام قبله.
(¬٦) "ط": "القلوب"، خطأ.
(¬٧) "ب، ك، ط": "تعليل التوكّل".
(¬٨) "ف": "فيلزم"، خلاف الأصل.

الصفحة 570