كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

عن ملاحظة حركته في نفسه، بل قد اندرجت حركته في ضمن حركة الموج، فكأنَّه (¬١) لا حركة له بالحقيقة.
وهذا، وإن ظنَّه كثيرٌ من القوم غايةً، وظنَّه بعضهم لازمًا من لوازم التوحيد، فالصواب أنَّ وراءَه (¬٢) ما هو أجل منه. وغاية هذا الفناءُ في توحيد الربوبية، وهو (¬٣) أن لا يشهد ربًّا وخالقًا ومدبِّرًا إلا اللَّه، وهذا حق (¬٤)، ولكن توحيد الربوبية وحده لا يكفي فى النجاة فضلًا عن أن يكون شهودُه والفناءُ فيه هو غاية الموحدين ونهاية مطلبهم.
بل الغاية (¬٥) التي لا غايةَ وراءها ولا نهاية بعدها الفناءُ في توحيد الإلاهية. وهو أن يفنى بمحبة ربه عن محبة كل ما سواه، وبتألهه عن تأله ما سواه، وبالشوق إليه وإلى لقائه عن الشوق إلى ما سواه، وبالذلِّ له والفقر إليه من جهة كونه معبودَه وإلهَه ومحبوبَه عن الذل والفقر (¬٦) إلى كلِّ ما سواه، وكذلك يفنى بخوفه ورجائه عن خوف ما سواه ورجائه. فيرى أنَّه ليس في الوجود ما يصلح له ذلك إلا اللَّه، ثمَّ يتصف بذلك حالًا (¬٧)، وينصبغ به قلبه صبغة، ثمَّ يفنى بذلك عمَّا سواه. فهذا هو التوحيد الخاصّ (¬٨) الذي شمَّر إليه العارفون، والورد الصافي الذي حام
---------------
(¬١) "ك، ط": "وكأنَّه".
(¬٢) "ط": "من ورائه".
(¬٣) "ك": "وهي".
(¬٤) "ك، ط": "هو الحق".
(¬٥) "ط": "فالغاية".
(¬٦) "الفقر" ساقط من "ك، ط"، ومستدرك في حاشية "ك".
(¬٧) "ك": "تتصف بذلك حاله".
(¬٨) "ط": "الخاصي".

الصفحة 60