كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

الغيّ، وفتح برسالته أعينًا عُمْيًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غُلْفًا. فبلّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأُمّة، وجاهدَ في اللَّه حقَّ جهاده، وعَبَدَ اللَّه حتى أتاه اليقين. فلم يدع خيرًا إلَّا دلَّ أمته عليه، ولا شرًّا إلّا حذّر منه، ونهى عن سلوك الطريق الموصلة إليه. ففتح القلوب بالإيمان والقرآن، وجاهد أعداءَ اللَّه باليد والقلب واللسان.
فدعا إلى اللَّه على بصيرة، وسار في الأُمة -بالعدل والإحسان وخلقه العظيم- أحسنَ سيرة، إلى أن أشرقتْ برسالته الأَرضُ بعد ظلماتها، وتألّفتْ به (¬١) القلوب بعد شتاتها. وسارت دعوتُه مسيرَ (¬٢) الشمس في الأقطار، وبلغ دينُه القيّم ما بلغ الليل والنهار. واستجابت القلوب لدعوة الحق (¬٣) طوعًا وإذعانًا، وامتلأَت بعد خوفها وكفرها أمنًا وإيمانًا. فجزاه اللَّه عن أمته أَفضَل الجزاءِ، وصلّى عليه صلاةً تملأُ أقطارَ الأرض والسماءِ، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فإنّ اللَّه سبحانه غَرَسَ شجرةَ محبتِه ومعرفتِه وتوحيدِه في قلوب مَن اختارهم مِن بريّته (¬٤)، واختصّهم بنعمته، وفضّلهم على سائر خليقتَه. فهي (¬٥) {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم/ ٢٤ - ٢٥]. وكَذلِكَ (¬٦) شَجَرَةُ الإِيمان
---------------
(¬١) "ك ": "بها".
(¬٢) "ف": "سير"، خلاف الأصل، وكذا في ط.
(¬٣) "ط": "لدعوته الحق القلوب".
(¬٤) "ط": "اختارهم لربوبيته".
(¬٥) في مبيضة المقدمة: "فهي شجرة طيبة"، وكذا في "ف، ن". والمثبت من خط المؤلف، ونحوه في "ك، ط".
(¬٦) "ك، ط": "فكذلك".

الصفحة 7