كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

بعبادته ومحبته وخوفه ورجائه، وأفرَدَ (¬١) رسوله بمتابعته والاقتداء به والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه.
فله (¬٢) في كلِّ وقتٍ هجرتان (¬٣): هجرةٌ إلى اللَّه بالطلب والمحبة، والعبودية والتوكل والإنابة، والتسليم والتفويض، والخوف والرجاء، والإقبال عليه، وصدق اللَّجأ والافتقار في كلِّ نفس إليه. وهجرةٌ إلى رسوله في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة، بحيث تكون موافقةً لشرعه الذي هو تفصيلُ محابِّ اللَّه ومرضاته، ولا يقبل اللَّه من أحد دينًا سواه، وكل عملٍ سواهُ فعيشُ النفس وحظُّها لا زادُ المعاد.
وقد قال شيخ الطريقة وإمام الطائفة الجنيد بن محمد قدَّس اللَّه روحه: الطرق كلها مسدودة إلا طريقَ من اقتفى آثارَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنَّ اللَّه عزّ وجلَّ يقول: "وعزَّتي وجلالي لو أتوني من كلِّ طريقٍ، واستفتحوا (¬٤) من كل بابٍ، لما فتحتُ لَهُمْ حتَّى يدخلوا خلفك" (¬٥).
وقال بعض العارفين: "كل عملٍ بلا متابعة فهو عيش النفس" (¬٦).
---------------
(¬١) "ط": " إفراد"، خطأ.
(¬٢) "ط": "وله".
(¬٣) انظر نحو ذلك في مدارج السالكين (٢/ ٥٢٠)، والكافية الشافية (٨٧٠)، والرسالة التبوكية (١٦ - ٢٧).
(¬٤) "ك": "واستفتحوني".
(¬٥) قول الجنيد في طبقات الصوفية للسلمي (١٥٩)، وحلية الأولياء (١٠/ ٢٧٦)، ونقله شيخ الإسلام في الاستقامة (١/ ٩٧، ٢٤٩). والمؤلف في مدارج السالكين (٢/ ٥٢١). أمَّا "الأثر الإلهي" فأورده المؤلف في جلاء الأفهام (٣٥٩).
(¬٦) من كلام سهل بن عبد اللَّه التستري، كما في الرسالة القشيرية (٤٠١)، وانظر مدارج السالكين (٢/ ٥٢١)، والاستقامة (١/ ٩٥، ٢٤٩)، ومنهاج السنة (٣٣١).

الصفحة 9