كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فقر آخر غير فقرها الأوَّل، وإنَّما يكمل فقرها بهذا الوصول.
* وسئل رُويم (¬١) عن الفقر فقال: "إرسال النفس في أحكام اللَّه تعالى" (¬٢).
قلت: إن أراد الحكم الديني فصحيح، وإن أراد الحكم الكونيّ القدريّ فلا يصح هذا الإطلاق، بل لا بدّ فيه من التفصيل كما تقدَّم بيانه (¬٣). وإرسالُ النفس في أحكامه التي يسخطها ويبغضها، أو إرسالُها في أحكامه التي يجب منازعتُها ومدافعتُها بأحكامه خروجٌ عن العبودية.
* وقيل: "نعتُ الفقير ثلاثة أشياء: حفظ سرّه، وأداءُ فرضه، وصيانة فقره" (¬٤).
قلتُ: حفظُ السرِّ كتمانُه صيانةً له من الأغيار، وغيرةً عليه أن ينكشف لمن لا يعرفه ولا يؤمَن عليه. وأداء الفرض قيامٌ بحقّ العبودية. وصيانةُ الفقر حفظُه عن لَوث مساكنةِ الأغيار، وحفظُه عن كلِّ سببٍ يفسده، وكتمانه ما استطاع.
* وقال إبراهيم بن أدهم (¬٥): "طلبنا الفقرَ فاستقبلَنا الغنى، وطلب
---------------
(¬١) رُويم بن أحمد بن يزيد البغدادي. من جلَّة المشايخ، كان مقرئًا وفقيهًا على مذهب داود الظاهري، توفي سنة (٣٠٣ هـ). طبقات الصوفية (١٨٠)، سير أعلام النبلاء (١٤/ ٢٣٤).
(¬٢) الرسالة القشيرية (٢٧٣).
(¬٣) انظر ما سلف في ص (٧٤).
(¬٤) القشيرية (٢٧٣).
(¬٥) العجلي -وقيل: التميمي- البلخي، نزيل الشام، الزاهد المشهور، توفي سنة (١٦٢ هـ)، طبقات الصوفية (٢٧)، السير (٧/ ٣٨٧).

الصفحة 98