كتاب طرح التثريب في شرح التقريب (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَ فِي سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ أَنَّهُ يَمْثُلُ لَهُ وَقْتَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَدُنُوِّ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ أَنَّ مَعْنَى الْعَرْضِ هُنَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ أَعْمَالِكُمْ وَالْجَزَاءُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَأُرِيدَ بِالتَّكْرِيرِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ تِذْكَارُهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ وَلَسْنَا نَشُكُّ أَنَّ الْأَجْسَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمُسَاءَلَةِ هِيَ فِي الذَّهَابِ وَأَكْلِ التُّرَابِ لَهَا وَالْفَنَاءِ وَلَا يُعْرَضُ شَيْءٌ عَلَى فَانٍ، فَبَانَ أَنَّ الْعَرْضَ الَّذِي يَدُومُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ لَا تَفْنَى وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْعِبَادُ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْعَرْضِ هُنَا الْإِخْبَارُ قَدْ يَقْتَضِي عَدَمَ مُعَايَنَةِ الْمَقْعَدِ حَقِيقَةً وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا وَإِذَا لَمْ يَصْرِفْ عَنْ الظَّاهِرِ صَارِفٌ فَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَذِكْرُهُ مِنْ أَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْ الْقُرْطُبِيِّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
{الثَّالِثَةُ} الْأَمْرُ وَاضِحٌ فِي الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ أَمَّا الْمُخَلِّطُ الَّذِي لَهُ ذُنُوبٌ هُوَ مُؤَاخَذٌ بِهَا غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَمَاذَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْرُوضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمَّا النَّارُ فَلَيْسَ لَهُ بِهَا مَقْعَدٌ مُسْتَقِرٌّ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا لِعَارِضٍ لِيُنَقَّى وَيُطَهَّرَ وَيُمَحَّصَ، ثُمَّ يَدْخُلَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ نَقِيًّا مُخْلِصًا وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدًا فَقَالَ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُؤَاخَذُ بِذُنُوبِهِ فَلَهُ مَقْعَدَانِ مَقْعَدٌ فِي النَّارِ مِنْ تَعْذِيبِهِ وَمَقْعَدٌ فِي الْجَنَّةِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُعْرَضَا عَلَيْهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إلَّا إنْ قُلْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُهَا كَيْفَمَا كَانَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ.
{الرَّابِعَةُ} قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ غَيْرِ الشُّهَدَاءِ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَرْضَ الْمَقْعَدِ عَلَى الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً فَلَا يُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى عَرْضِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ: فَائِدَةُ ذَلِكَ تَبْشِيرُهَا بِاسْتِقْرَارِهَا فِي الْجَنَّةِ مُقْتَرِنَةً بِجَسَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا هِيَ فِيهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَرْضُ الْمَقْعَدِ عَلَى الْأَجْسَادِ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ حِينَئِذٍ كَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ إنَّمَا هُوَ أَرْوَاحُهُمْ أَمَّا أَجْسَادُهُمْ فَهِيَ فِي قُبُورِهِمْ فَتَنْعَمُ بِعَرْضِ الْمَقْعَدِ عَلَيْهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ وَرَدَ فِي أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ مُطْلَقًا رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ

الصفحة 305