كتاب تاريخ المدينة لقطب الدين الحنفي

55…واما عير فهو الجبل الكبير الذي من جهة قبلة المدينة، واختلف في صعيد حرم المدينة وشجرها ومذهبنا انه لا يحرم وتقدم آخر الباب التاسع الجواب عن حديث سعد بن ابي وقاص وعن قوله صلى الله عليه وسلم: "ان ابراهيم حرم مكة وانى حرمت المدينة" وعن حديث سعد بن ابي وقاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انى احرم ما بين لابتى المدينة ان تقطع عضاهها" الحديث.
قال التوربشتى في شرح المصابيح وكان سعد وزيد بن ابى ثابت (1) يريان في ذلك الجزاء واجاب عن ذلك بانه نسخ فلم يشعرا به، قال: وانما ذهب الى النسخ من ذهب للاحاديث التي تدل على خلاف ذلك، ولهذا لم ياخذ بحديثهما احد من فقهاء الامصار.
وسئل مالك عن النهى الذي ورد في قطع سدر المدينة فقال (ق40): انما نهى عنه لئلا يتوحش وليبقى بها شجرها فيستانس بذلك من هاجر اليه ويستظل بها. انتهى.
واجاب ايضا عن حديث ابي سعيد الخدري ريضيى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ان ابراهيم حرم مكة فجعلها حراما ... " الحديث، وفيه انه لا ينفر صيدها وكذلك في حديث جابر ولا يصاد صيدها.
قال: والسبيل في ذلك ان يحمل النهى على ما قاله مالك وغيره من العلماء احبي ان تكون المدينة ما هو له متسانسة فان صيدها وان راى تحريمه نفر يسير من الصحابة، فان الجمهور منهم لم ينكروا واصطباره [كذا] الطيور بالمدينة ولم يبلغنا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من طريق يعتمد عليه.

__________
(1) هو زيد بن ثابت ابو سعيد الانصاري الخزرجي المقرئ، كاتب وحى النبي صلى الله عليه وسلم، امره النبي صلى الله عليه وسلم ان يتعلم خط اليهود فجود الكتابة وكتب الوحى وحفظ القرآن الكريم واتقنه، واحكم الفرائض، وشهد الخندق وما بعدها، وانتدبه الصديق لجمع القران الكريم فتتبعه وتعب على جمعه، ثم عينه عثمان لكتابة المصحف وثوقا بحفظه ودينه وامانته وحسن كتابته، قرأ عليه لقرآن جماعة منهم ابن عباس وابو عبد الرحمن السلمى، وحدث عنه ابنه خارجة وانس بن مالك وابن عمر وغيرهم، مات سنة 45هـ.

الصفحة 55