كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 3)

فَلَوْ قَرُبَ مِنْهَا قُرْبَ الْفَجْرُ فَذَكَرَ صَلاةً يُفِيتُهُ فِعْلُهَا- فَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ قُرْبِهِ جِدّاً وَغَيْرِهِ، وَفَرَّقَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بَيْنَ الْمَكِّيِّ والآَفَاقِيِّ، وَقِيلَ: يُصَلِّي إِيمَاءً ....
اعلم أن القاعدة أن المُضَيَّقَ في الشرع مقدم على ما وسع فيه، والموسع فيه في زمان محصور كالصلاة مقدم على ما غياه بالعمر كالكفارات، وما يجب على تاركه القتل مقدمًا على ما ليس كذلك، وعلى هذا فتقدم الصلاة على الحج في المسألة المفروضة، وهي إذا قرب من عرفة قبل الفجر، وذكر صلاة إن تشاغل بها فاته الوقوف، وإن ذهب للوقوف لم يمكنه فعل الصلاة. وإلى هذا أشار بقوله: (يُفِيتُهُ فِعْلُهَا) أي يفيت الوقوف فعلها، وتقديم الصلاة هو المشهور لما ذكرناه من عظم أمرها في الشرع واستحقاقها للوقت بالذكر. وقال اللخمي: تقدم عرفة مطلقًا لما في فوات الحج من المشاق. وفرق محمد بن المواز بين قربه من عرفة فيمضي إليها وبعده فيصلي لحصول الشك حينئذ في إدراك عرفة. وزاد المصنف بعد قوله: (قُرْيهِ) لفظة (جِدّاً) وليست هذه الزيادة في النوادر. وفرق ابن عبد الحكم بين المكي ونحوه فيصلي، وبين الآفاقي فيمضي لعرفة، هكذا صرح في النوادر بأن ما حول مكة كحكمها عند ابن عبد الحكم، ووجهه ظاهر. وقال عبد الحميد: يصلي إيماءً كالمسايف. واعترضه ابن بشير بعدم تحققق الجامع؛ لأن المشقة في الأصل خوف تلف النفس، وفي الفرع خوف تلف المال سلمناه، ولكن قياسًا على الرخص. وأجيب على الأول بأن الأسفار الشاقة مع بعد المسافة يخشى فيها على النفس والمال، ففي الفرع ما في الأصل وزيادة. وعلى الثاني بأن القياس على الرخص المختلف في قبوله إنما هو إذا كان الأصل المقيس عليه منصوصًا، أما إذا كان اجتهاديًا فلا نسلمه.
تنبيه:
وقول المصنف: (ذكر صلاة) هكذا عبر جماعة كثيرة من أهل المذهب، وهو ظاهر في أنها فائتة. وإذا كان هذا في الفائتة فأحرى لو ذكر العشاء، وفرضها ابن بشير في العشاء.

الصفحة 17