كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 3)

حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح. قال: "اذبح ولا حرج". وجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. فقال: "ارمِ ولا حرج". فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا وقال: "افعل ولا حرج". وإذا بنينا على الأصح فإنه يُجرِي الموسى على رأسه بعد أن يرمي. رواه ابن المواز عن مالك؛ يريد: لأن ذلك الحلق الأول غير معتد به، ولذلك افتدى منه. وقوله: (وَإِلا فَلا فِدْيَةَ عَلَى الأَصَحِّ) أي: وإن لم يقدم الحلق على الرمي بل قدم الثاني على الاول فنحر قبل الرمي، أو الثالث على الثاني فحلق قبل النحر، فالأصح لا شيء عليه للحديث المتقدم. وكلام المصنف يقتضي أن الخلاف في الصورتين، ولم أره إلا في الثانية، وهي إذا حلق قبل النحر. وحكى اللخمي مقابل الأصح عن ابن الماجشون وأطلق فيه كالمصنف. وقال الباجي: إن قدم الحلق قبل الذبح فإما أن يقدم الحلق خطأً أو جهلاً أو عمداً.
فإن كان ذلك خطأً أو عمداً فروى ابن حبيب عن ابن القاسم لا شيء عليه، وهو المشهور. وقال ابن الماجشون: عليه الهدي. وبه قال أبو حنيفة، ووجَّه الأول بالحديث. وروى ابن الماجشون أن معنى ذلك لا إثم عليه؛ لأن الحرج يطلق على الإثم دون الهدي. ولابن القاسم أن يقول: هذا موضع تعليم لما يجب على السائل، فلو وجب الهدي لذكره. وأما إن كان على وجه العمد فقد روى القاضي أبو الحسن أنه يجوز تقديم الحلق على النحر. والظاهر من المذهب المنع من ذلك، والترتيب مشروع مستحب، وأقل ما يحمل النحر. والظاهر من المذهب المنع من ذلك، والترتيب مشروع مستحب، وأقل ما يحمل عليه فعله عليه الصلاة والسلام في حجة الاستحباب. انتهى باختصار.
ثُمَّ يَاتِي مَكَّةَ لِلإفَاضَةِ وَكُرِهَ أَنْ يُسَمَّى طَوَافُ الزِّيَارَةِ، أَوْ يُقَالَ: زُرْنَا قَبْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .....

يعني: وبعد أن يفعل الثلاثة المذكورة يأتي مكة فيطوف طواف الإفاضة. وأما كراهة مالك أن يقول طواف الزيارة أو زرنا قبره صلى الله عليه وسلم فقيل: لأن الزيارة تقتضي التخيير. وقيل: إنما كره هذا الاسم لما ورد: "لعن الله زوَّارات القبور". ورده في الشفاء بما

الصفحة 24