كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 3)

ورد من قوله عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزروها". وقوله: "من زار قبري" وقيل: إنما ذلك لما قيل: إن للزائر فضلاً على المزور. ورده في الشفاء بأنه ليس كل زائر بهذه الصفة، وقد ورد في حديث أهل الجنة وزيارتهم لربهم. وقيل: الكراهة لاستعمال لفظ القبر؛ لأنه ورد في الحديث [192/أ] "اللهم لا تجعل قبري وثناًَ يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
فحمل إضافة هذا اللفظ إلى القبر، والتشبيه بفعل أولئك قطعاً للذريعة وحسماً للباب، ولم يرده، ورده بعضهم بأن سنداً نقل عن مالك الكراهة، ولو أسقط القبر، وكان شيخنا رحمه الله يقول: يمكن أن يقال إنما كره مالك ذلك خوفاً من التبجح بالعبادة والسمعة؛ لأنه قد ورد: "من زارني ميتاً فكأنما زارني حياً".
خليل: وفي قول أبي عمران: إنما كره مالك أن يقول الناس ذلك بينهم بعضهم لبعض- إشارة إلى ذلك.
فرع:
فإن قدم الإفاضة على الرمي فروى ابن القاسم عن مالك الإجزاء مع الهدي، وبه أخذ ابن القاسم. وعن مالك: لا يجزئه، وهو كمن لم يُفِضْ. وقال أصبغ: أحب إلي أن يعيد الإفاضة، وذلك يوم النحر آكد. واختلف إذا رمى ثم أفاض قبل الحلاق، فقال مالك: يجزئه، وقال أيضاً يعيد الإفاضة بعد الحلاق. وقال في الموطأ: أحب إلى أن يهرق دماً، وإن قدم الإفاضة على الذبح أجزأته الإفاضة.
اللخمي: ويجري فيها قولاً آخر أنه يعيد.
خليل: والصحيح والله أعلم لا شيء عليه في شيء من ذلك لما رواه الترمذي وصححه من حديث علي- رضي الله عنه-: أفضت قبل أن أحلق. فقال: "احلق أو قصر ولا حرج". وفي بعض طرق الدارقطني من حديث ابن عمر: أفضت قبل أن أرمي: فقال: "ارم ولا حرج".

الصفحة 25