كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 3)

لما تكلم على النكاح الذي يفسخ بطلاق والذي يفسخ بغير طلاق، وهو مشكل؛ لأن الفسخ لا يقال فيه أحب إلي، إلا أن يقال أنه توقف لتعارض الأدلة. واستحب الفسخ خروجاً من الخلاف، وليستأنف عقد بولي لا خلاف فيه.
اللخمي: وجميع الخلاف الذي في هذه المسألة راجع إلى ثلاثة أقوال: هل تقدمة ولاية النسب على ولاية الإسلام من باب الأولى؟ أو هي حق له أو لله؟ فأمضاه مرة بناء على أنه أولى ومرة رآه حقاً له فخيره في الفسخ والإمضاء، ورأى مرة أن الحق لله ففسخه مطلقاً ووقف مرة لتعارض الأدلة عنده هل ذلك حق له أو لله سبحانه؟
وقوله: (وفِيهَا: إِنْ دَخَلَ بِهَا ... إلى آخره)، قال فيها: قيل لمالك: من زوج امرأة بغير إذن ولي بشهود أيضرب أحدهم؟ فقال: أدخل بها؟ قال: لا. وأنكر الشهود أن يكونوا حضروا، قال: لا عقوبة عليهم.
ابن القاسم: إلا أني رأيت فيها لو دخل بها لعوقبت المرأة والزوج والذي أنكح، ويؤدب الشهود أيضاً إن علموا. ومعنى قوله: (وأنكر الشهود أن يكونوا حضروا) أي: أنكروا أن يكونوا علموا أن هذا النكاح لا يجوز بدليل قوله: (وَيُؤَدَّبُ الشُّهُودُ إِنْ عَلِمُوا). هكذا قال أبو الحسن في معنى المدونة، وجعل بعضهم فاعل أنكر عائداً على مالك؛ أي: وأنكر مالك أن يكون الشهود حضروا مثل هذا. وقيد الباجي عدم عقوبتهم قبل البناء بما إذا كان النكاح مشهوراً.
وقوله: (عَلِمُوا) يضبط بالبناء للفاعل لا بالبناء لما لم يسم فاعله؛ لأنهم إذا علموا ولم يكن عندهم علم لا يعاقبون، وقد صرح في الجلاب بذلك.
اللخمي: وأرى ألا عقوبة على الزوجين إن كانا من أهل الاجتهاد، وذلك مذهبهما، أو كانا يريان تقليد من يرى ذلك أو كانا يجهلان أو يظنان أن ذلك جائز، وكذلك البينة ينظر إلى مذهبها أو من تقلد به.

الصفحة 559