كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 4)

لم يُجِز التيمم إلا عند عدم الماء، كما لم يُجِز الصيام هنا إلا عند العجز عن العتق، قيل: لأن المظاهر لما أدخل الظهار على نفسه شدد عليه، ولأنه أتى بالمنكر والزور، ولتكرار الوضوء، ولأن الحكم في الظهار معلق على عدم الوجود المطلق، بخلافه في التيمم، فإنه معلق على عدم الوجود المقيد، وهو وجدان ماء لا حرج فيه؛ لقوله تعالى في الآية: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6].
فَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ، وَفِي الْيَوْمَيْنِ قَوْلانِ، وَفِيهَا: حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا لَوْ صَامَ يَوْماً فِي الْحَجِّ ثُمَّ وَجَدَ هَدْياً
يعني: إذا صام لإعساره ثم أيسر، فإن صام ما له قدر كالربع والثلث ونحوهما، تمادى على صومه ولم يلزمه العتق، وإن كان إنما صام اليومين ونحوهما، فروى زياد بن جعفر عن مالك: يرجع إلى العتق، وروى ابن عبد الحكم: يتمادى، وقال ابن شعبان: إذا صام يوماً ثم أفاد مالاً مضى ويجزيه العتق أحب إليَّ، وجعلوا هذا القول موافقاً لرواية ابن عبد الحكم، والقولان يتجاذبهما أصلان؛ وهما: طروء الماء على المتيمم بعد تلبسه بالصلاة، وطروء الحيض على المعتدة بالأشهر، والشبه بالتيمم أقوى؛ للاتفاق أن اليسر إذا حدث بعد صوم كثير أنه يتمادى، ولو كان كالحيض لزم أن ينتقل إليه ولو بقي منه يوم واحد، وقوله: (وَفِيهَا: حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ)؛ أي حسن أن يرجع في اليومين ونحوهما إلى العتق، هكذا نص في المدونة، ولعله أتى بما فيها استشهاداً للقول بعدم الرجوع إلى العتق، ولا يقال إنما أتى بمذهب المدونة؛ لأنه مخالف للقولين، لأن على رواية ابن عبد الحكم يستحب أيضاً الرجوع، ألا ترى أنهم جعلوا قول ابن شعبان موافقاً لرواية ابن عبد الحكم، وقد نص ابن شعبان على استحباب الرجوع في اليوم إلى العتق كما تقدم.

الصفحة 549