كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 4)

وقوله: (وَلَوْ بَقِيَ مِسْكِينٌ) مبالغة على المشهور؛ أي يبطل ما تقدم من الإطعام على المشهور ولو لم يبق عليه إلا مسكين، وهذه النسخة أحسن مما وقع في بعضها من تقديم قوله: (وَلَوْ بَقِيَ مِسْكِينٌ) على قوله: (عَلَى الْمَشْهُورِ)؛ لإيهامه حينئذٍ أن الشاذ إنما يخالف فيما إذا لم يبقَ إلا مسكين واحد، وليس كذلك، وليس الشاذ هذا؛ لأن ابن الماجشون يرى أن الوطء لا يبطل الإطعام المتقدم مطلقاً، قال: وأحب إليَّ أن يستأنف؛ لأن الله تعالى قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} في العتق والصيام، ولم يقله في الإطعام، وقيد في المشهور الإطعام بأن يكون قبل المماسة، كالأولين.
وفي الشاذ نظر؛ لأنه يلزم عليه حِليَّة وطء المظاهر قبل الإطعام إذا كان هو الكفارة، ولا يحل ذلك بالإجماع، نقله بعض الأئمة، وقوله: (وَلَوْ لَيْلاً نَاسِياً)؛ يعني أنه يبطل الصوم بوطء المظاهر منها، ولو ليلاً ناسياً أو غالطاً؛ لأن الله تعالى اشترط في الكفارة أن تكون قبل المماسة، ونبه بذلك على خلاف الشافعية في قولهم: إن وطء المظاهر منها ليلاً لا يبطل ما تقدم من الصيام، فإن قيل: الحكم ببطلان الصوم والإطعام بالوطء مشكل؛ لأن سبقية بعض الكفارة على الوطء أولى من تأخير جميعها عنه، وقد قلتم بالإجزاء لو تقدم الوطء على الجميع، فالجواب أن المماسة المطلوب تقديم الكفارة عليها هي المماسة المباحة؛ لأن تقدير الآية: فصيام شهرين متتابعين من قبل أن تباح له المماسة، والمماسة الواقعة في خلال الكفارة ليست بمباحة، فاستؤنفت كفارة أخرى لتحصل كفارة مستأنفة سابقة على مماسة مباحة.
فرع:
واختلف إذا قبَّل المظاهر بإثرها في أثناء الكفارة، وقد تقدم ذلك، وقوله: (بِخِلافِ وطء غَيْرِهَا لَيْلاً فِي الصِّيَامِ)؛ أي فلا يبطل الصيام لصحته ليلاً أو نهاراً في الإطعام؛ لأن عدم المماسة مشروط في حق المظاهر منها فقط، والله أعلم.

الصفحة 555