كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 8)

وَكَأَخَوَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيِّ، ادَّعَى الْمُسْلِمُ أَنَّ أَبَاهُ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّصْرَانِيِّ ...
يعني: أن الولدين اتفقا على أن الأب نصراني، وادعى النصراني أنه مات على ذلك، فالقول قول النصراني؛ لأنه تمسك باستصحاب الحال ولا بينة بينهما.
وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ
لأنها ناقلة.
وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرِانِيِّ أَنَّهُ نَطَقَ بالنَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ
أي: شهدت بينة المسلم أنه نطق بكلمة الإسلام ومات حينئذٍ فهما متعارضتان فيصار إلى الترجيح، فإن لم يكن ترجيح، فيقول المصنف: أنه يقسم بينهما وهو ظاهر قول ابن القاسم في المدونة، وقال غيره فيها: إذا تكافأت البينة قضى بالمال للمسلم بعد أن يحلف على دعوى النصراني؛ لأن بينته زادت.
ابن يونس: قال بعض الفقهاء: وقول ابن القاسم أصوب؛ لأن معناه أن الرجل جهل أصله، وإذا جهل فليس ثم زيادة والأمر يرد إليه فوجبت قسمة المال بينهما، وإذا كانت بينة المسلم زادت على تأويل غير ابن القاسم لم يحتج إلى تكافؤ البينة؛ لأن من زاد قضي بزيادته وإن كانت الأخرى أعدل منها. وقال إسماعيل القاضي: يشبه أني كون ابن القاسم أراد بتكافؤ البينة أن تشهد بينة المسلم أن أباه لم يزل مسلماً حتى توفي، وتشهد بينة النصراني أنه لم يزل نصرانيَّاً حتى مات، وكان الأب لا يُعرف حالُه فإن الشهادتان تسقطان، فأما إن شهدت بينة المسلم أن أباه كان نصرانيَّاً فأسلم وشهدت بينة النصراني أنه لم يزل نصرانيَّاً إلى أن مات؛ قضى ببينة المسلم لأنها زادت حدوث الإسلام.

الصفحة 15