كتاب التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (اسم الجزء: 8)

وظاهر المدونة ألا يحلف في سائر المساجد غير مسجده صلى الله عليه وسلم عند المنبر، وقد صرح ابن وهب في روايته بذلك، وقال مطرف وابن الماجشون: يستحلفون في ربع دينار في المدينة عند منبره صلى الله عليه وسلم، وفي غيرها في المسجد الأعظم حيث يعظمون منه عند غيرهم أو تلقاء قبلتهم، ولو اتفق أن يكون في بعض المساجد المنبر في وسط المسجد لكانت اليمين عند المحراب دون المنبر.
المازري: والمعروف أنه يحلف في المدينة عند منبره صلى الله عليه وسلم، وفي مكة عند الركن، وفي غيرهما من البلاد في الجامع الأعظم، وهل يختص في الجامع الأعظم بمكان المنبر؟ وقع في بعض الإطلاقات ما يشير إلى أنه لا يشترط اليمين عند المنبر إلا في منبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن حبيب عن بعض أصحاب مالك أن الاستحلاف عند المنبر وتلقاء القبلة، يشير بذلك إلى أن المحراب هو أعظم حرمة مما سواه في المسجد لكونه محل من يقتدى به.
المازري: والمعروف من المذهب أنه لا يستحلف في المسجد في أقل من ربع دينار، لكن ابن الجلاب قصر هذا الاحترام على مسجده صلى الله عليه وسلم، فقد شرط في الاستحلاف أن يبلغ الحق ربع دينار، واستحلف فيما سواه من البلدان في المسجد الأعظم في أقل من ربع دينار، وعلى هذا فقول المصنف: (وَيَحْلِفُ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ) خلاف المعروف.
قَالَ: وَمَنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَهُ كَانَ نَاكِلاً
أي: قال مالك: ومن أبى أن يحلف عند المنبر كان ناكلاً.
وَشَرْطُ الْيَمِنِ أَنْ يُطَابِقَ الإِنْكَارَ
اليمين إذا توجهت على المدعى عليه لإنكاره فشرطها أن تكون مطابقة لإنكاره، ما لو ادعى عليه أنه اشترى منه فأنكره، فيحلف أنه اشترى نمه كذا. قال في المدونة: ولو أراد أن يحلف أنه لا حق لك قبلي، فليس له ذلك؛ لأن هذا يريد أن يوري.

الصفحة 30