كتاب طرق الاستدلال بالسنة والاستنباط منها

والحق أنه لا يشترط هذا التحديد: لِسَعَةِ السُنَّةِ وَإِلاَّ انْسَدَّ باب الاجتهاد كما قال ابن أمير الحاج، وقد اجتهد صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والتابعون، ولم يستحضروا فيها جميع النصوص التي وردت في السُنّةِ، بل عُرِفَ أَنَّ أحدهم كان يجتهد فإذا رُوِيَ له من السُنّةِ غير ما توصل إليه اجتهاده رجع عنه. إِلاَّ أنني أرى في أيامنا هذه، ومع تيسر كتب السُنّةِ المطبوعة، أَنْ يرجع من يريد الاجتهاد إلى ما اشتملت عليه مجاميع السُنّةِ، كالأمهات الست، وما يلحق بها، كالمسانيد التي صَنَّفَهَا علماء الحديث، فيستخرج منها ما يحتاج إليه من الأحاديث المتعلقة بالموضوع الذي يريد أَنْ يجتهد فيه، ولا يشترط أَنْ يكون حَافِظاً لها بعد هذا التدوين، لكن لاَبُدَّ أَنْ يكون على دراسة ودراية بعلوم الحديث وأنواعه، والتمييز بين الحسن، والصحيح، والمشهور، والمتواتر، وأنواع الضعيف، ومعرفة بقواعد الجرح والتعديل، وأحوال الرجال، وغير ذلك، وهذا ما ذهب إليه كثير من العلماء كالشوكاني. ولعل الحصول على أعلى درجة أو إجازة في تَخَصُّصٍ ما من علوم الشريعة ولا سيما في الفقه وأصوله، أو التفسير وعلومه، أو الحديث وعلومه،

الصفحة 44