كتاب التفسير اللغوي للقرآن الكريم

معنى نَقْدِرْ، وذهبَ إلى موضعِ القُدْرَةِ، إلى معنى: فَظَنَّ أنْ يَفُوتَنَا (¬1).
ولم يعلمْ كلامَ العربِ، حتى قال: إنَّ بعضَ المفسرين قال: أرادَ الاستفهامِ: أفظنَّ أنْ لنْ نقدرَ عليه (¬2).
ولو عَلِمَ أنَّ معنى نَقْدِر: نُضَيِّقْ، لم يَخْبِطْ هذا الخَبْطَ. ولم يكنْ عالماً بكلامِ العربِ، وكانَ عالماً بقياسِ النَّحْوِ».
ثم قال الأزهري (ت:370): «... والمعنى: ما قَدَّرَهُ اللهُ عليه من التَّضيِيْقِ في بطنِ الحوتِ، ويكونُ المعنى: ما قَدَّرَهُ اللهُ عليه من التضييق؛ كأنه قال: ظنَّ أن لن نُضَيِّقَ عليه، وكل ذلك شائعٌ في لغةِ العربِ، واللهُ أعلمُ بما أرادَ.
¬_________
= اللغة، وقد ذكر ذلك في كتابه، ومما ألَّفه أبو منصور: كتاب علل القراءات، وهو مطبوع، وتوفي سنة (370). ينظر: تهذيب اللغة (1:6 - 7)، ومعجم الأدباء (17:164 - 167)، والبُلغة في تراجم أئمة النحو واللغة (ص:186 - 187).
(¬1) حكى الطبري في تفسير، ط: الحلبي (17:79) هذا القول، فقال: «وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظن أنه يُعجِزُ ربه فلا يقدر عليه»، ثم أورد روايةً عن سعيد بن أبي الحسن (ت:100)، وأخيه الحسن البصري (ت:110)، والقاضي إياس بن معاوية (ت:122).
ولم يظهر لي مناسبة هذه الروايات لهذا القول الذي ترجم به. ثم ذكر ترجيحه، وردَّ على ما سواه، فقال: «وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب، قول من قال: عَنَى به: فظنَّ يونس أن لن نحبسه ونضيق عليه، عقوبةً له على مغاضبته ربه. وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الكلمة، لأنه لا يجوز أن يُنسب إلى الكفر، وقد اختاره لنبوته، ووَصْفُه بأنه ظنَّ أن ربه يعجز عما أراده به ولا يقدر عليه، وَصْفٌ له بأنه جَهِلَ قدرةَ الله، وذلك وَصْفٌ له بالكفر، وغير جائز لأحد وَصْفُهُ بذلك».
(¬2) ورد ذلك عن ابن زيد كما في تفسير الطبري، ط: الحلبي (7:79)، وقد رَدَّه الطبري، فقال: «وأما ما قاله ابن زيد، فإنه ـ لو كان في الكلام دليل على أنه استفهام ـ حسنٌ، ولكنه لا دلالةَ فيه على أنَّ ذلك كذلك، والعربُ لا تحذفُ من الكلامِ شيئاً لهم إليه حاجة إلا وقد أبقتْ دليلاً على أنه مرادٌ في الكلامِ، فإذا لم يكن في قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} دلالةٌ على أن المراد به الاستفهامُ كما قال ابن زيد، كان معلوماً أنه ليس به ...».

الصفحة 45