كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي (اسم الجزء: 2)

المميز يصح إسلامه فتصح ردته؛ لأن صحة الإسلام والردة مبنية على وجود الإيمان أو الكفر حقيقة, لأن الإيمان والكفر من الأفعال الحقيقية وهما أفعال خارجة من القلب بمنزلة أفعال سائر الجوارح, والإقرار الصادر عن العقل دليل وجودهما وقد وجدها هنا, إلا أنه من وجود الكفر من الصبى العاقل لا يقتل ولكن يحبس إذ لا قتل إلا على البالغ بعد استتابته فيحبس الصبى حتى يبلغ ثم يستتاب, ويشترط أبو يوسف البلوغ لصحة الردة فلا تصح الردة عنده إلا إذا بلغ الصبى مرتدًا, وحجته أن عقل الصبى فى التصرفات الضارة المحضة ملحق بالعدم ولهذا لم يصح طلاقه وإعتاقه وتبرعاته, والردة مضرة محضة, أما الإيمان فيصح من الصبى لأنه نفع محض, ولذلك صح إسلام الصبى عند أبى يوسف ولم تصح ردته (¬1) .
ويتفق مذهب مالك مع رأى أبى حنيفة ومحمد.
وفى مذهب أحمد رأيان: أولهما وهو المعمول به فى المذهب: أن ردة الصبى تصح, وهذا يتفق مع رأى أبى حنيفة ومحمد, وظاهر مذهب مالك, والثانى: أن الصبى يصح إسلامه ولا تصح ردته, وهو يتفق مع رأى أبى يوسف (¬2) .
ويلاحظ أن الخلاف ليس له أهمية عملية من الناحية الجنائية, لأن الصبى لا يقتل سواء قيل بصحة ردته أو بعدم صحتها, إذ الغلام لا تجب عليه الحدود حتى يبلغ, فإذا بلغ فثبت على ردته ثبت حكم الردة ووجبت عليه العقوبة بعد الاستتابة إن لم يتب, فيستوى إذن فى الحكم المرتد قبل بلوغه والمرتد وقت بلوغه, والمسلم الأصلى الذى ارتد والكافر الذى ارتد والكافر الذى أسلم صبيًا ثم ارتد (¬3) .
أما مذهب الشافعى فلا يصحح ردة الصبى ولا إسلامه إلا بالبلوغ, وعلى هذا الرأى زفر من أصحاب أبى حنيفة, وهو يتفق مع مذهب الظاهريين ومذهب الشيعة الزيدية, وحجة أصحاب هذا الرأى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم
¬_________
(¬1) بدائع الصنائع ج7 ص134, 135.
(¬2) المغنى ج10 ص92, 92.
(¬3) نفس المرجع السابق.

الصفحة 716