كتاب إتحاف الأريب بشرح الغاية والتقريب

وَكَانَ مَأْمُونًا مُكْتَسِبًا»، تستحبُّ الكتابةُ إذا طلبَها العبدُ من سيدِه، وكان العبدُ أمينًا قادرًا على الكسبِ، وبهما فسَّر الشافعيُّ رحمه الله الخيرَ في قوله تعالى: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} [النور: ٣٣].
واعتُبرتِ الأمانةُ؛ لئلَّا يضيعَ ما يُحَصِّلُه فلا يَعْتِق، والقدرةُ على الكسبِ؛ ليوثقَ بتحصيلِ النُّجومِ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَلَا تَصِحُّ إِلَّا بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَيَكُونُ مُؤَجَّلًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، أَقَلُّهُ نَجْمَانِ»، لا تصحُّ الكتابةُ إلا بمالٍ في ذمَّةِ المكاتبِ نقدًا كان أو عرضًا معلومًا عندَهما قدرًا وجنسًا وصفةً ونوعًا؛ لأنَّه عِوضٌ في الذمةِ فاشتُرط فيه العلمُ بذلك كدينِ السَّلَمِ، ويكونُ إلى أجلٍ معلومٍ؛ ليحصِّلَه ويُؤدِّيه، وأقلُّه نجمان؛ لأنَّه المأثورُ عن الصحابةِ - رضي الله عنهم - (¬١)، ولو جازتْ على أقلَّ من نجمينِ لفعلوه؛ لأنهم كانوا يبادرونَ إلى القرباتِ والطاعاتِ ما أمكنَ، ولأنَّها مشتقةٌ من ضمِّ النجومِ بعضِها إلى بعضٍ، وأقلُّ ما يحصلُ به الضمُّ نجمانِ، والمرادُ بالنَّجمِ هنا الوقتُ.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَهِيَ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لَازِمَةٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ جَائِزَةٌ، فَلَهُ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ»، الكتابةُ من جانبِ السيدِ لازمةٌ، ليس له فسخُها؛ لأنَّها عُقِدت لحظِّ مُكاتبِه، لا لحظِّه، وهي من جهةِ العبدِ المكاتبِ جائزةٌ، فله الامتناعُ من
---------------
(¬١) قال ابن حجر رحمه الله في «التلخيص الحبير» (٤/ ٣٩٩): «اشتُهر عن الصحابةِ ومَن بعدَهم قولًا وفعلًا الكتابةُ على نجمينِ، رواه البيهقي من فعلِ عثُمانَ وابنِ عمرَ».

الصفحة 499