كتاب إتحاف الأريب بشرح الغاية والتقريب
«فَصْلٌ»
في صلاةِ المسافر
هذا الفصلُ في جوازِ قَصْرِ الصَّلاةِ للمُسافرِ، ودليلُ مَشْرُوعِيَّتِه مِنَ الكتابِ قولُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١]، يَقولُ يَعْلى بنُ أُمَيَّةَ: قلتُ لعمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه: قد أَمِنَ النَّاسُ؟! فقال: عجبتُ مما عَجِبْتَ منه، فسألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» (¬١).
وهذا يدلُّ على أنَّ قَصْرَ الصَّلاةِ ليس خاصًّا بحالةِ الخوفِ.
ومعنى قولِه تَعَالَى: {ضَرَبْتُمْ}، أيْ: سافرْتُم.
قال أبو شجاع رحمه الله: «وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ بِخَمْسِ شَرَائِطَ:
١ - أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ»؛ لأنَّ القَصْرَ رخصةٌ وإنما جُعِلَتِ الرُّخصةُ لمن لم يَكُنْ عاصِيًا، قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣].
٢ - «وَأَنْ تَكُونَ مَسَافَتُهُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا»، أيْ ما يقاربُ (٨١) كيلو مترًا تقريبًا، يقولُ البخاريُّ رحمه الله: «كانَ ابنُ عمرَ وابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقْصُرَانِ ويُفْطِرَانِ في أَرْبعَةِ بُرُدٍ، وهي ستةَ عشرَ فرسخًا» (¬٢).
---------------
(¬١) رواه مسلم (٦٨٦).
(¬٢) «صحيح البخاري» (١/ ٣٦٨).
الصفحة 98