كتاب التلخيص الحبير ط قرطبة (اسم الجزء: 1)

حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ. قُلْتُ: لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ. فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ: إنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاسْتَدْرَكَهُ الْحَاكِمُ فَوَهِمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَقْعُدُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَيَقُولُ: إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ» وَفِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يُقْعَيَانِ، وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْعَبَادِلَةَ يُقْعُونَ أَسَانِيدُهَا صَحِيحَةٌ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ، فَجَنَحَ الْخَطَّابِيُّ، وَالْمَاوَرْدِيُّ إلَى أَنَّ الْإِقْعَاءَ مَنْسُوخٌ، وَلَعَلَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، وَجَنَحَ الْبَيْهَقِيّ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِقْعَاءَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَهُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَتَكُونُ رُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفَعَلَتْهُ الْعَبَادِلَةُ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الِافْتِرَاشَ أَفْضَلُ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ لَهُ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي وَأَحْسَنُ فِي هَيْئَةِ الصَّلَاةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَهُ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِكَرَاهَتِهِ، وَتَبِعَ الْبَيْهَقِيّ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَالنَّوَوِيُّ، وَأَنْكَرَا عَلَى مَنْ ادَّعَى فِيهِمَا النَّسْخَ، وَقَالَا: كَيْفَ ثَبَتَ النَّسْخُ مَعَ عَدَمِ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّارِيخِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَارِدًا لِلْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْآخِرِ فَلَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْقُعُودِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
(تَنْبِيهٌ) : ضَبَطَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلَهُمْ: جَفَاءً بِالرِّجْلِ، بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ

الصفحة 464