كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 2)
وَفِي اللَّغْوِ غَيْرُ
هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مَذَاهِبُ أَنْهَاهَا ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى عَشَرَةٍ، لَا نُطِيلُ بِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ تَذْيِيلٌ لِحُكْمِ نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ، وَمُنَاسِبَةِ اقْتِرَانِ وَصْفِ الْغَفُورِ بِالْحَلِيمِ هُنَا دُونَ الرَّحِيمِ، لِأَنَّ هَذِهِ مَغْفِرَةٌ لِذَنْبٍ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّقْصِيرِ فِي الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِالْحَلِيمِ، لِأَنَّ الْحَلِيمَ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَفِزُّهُ التَّقْصِيرُ فِي جَانِبِهِ، وَلَا يَغْضَبُ لِلْغَفْلَةِ، وَيقبل المعذرة.
[226، 227]
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 226 إِلَى 227]
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلِانْتِقَالِ إِلَى تَشْرِيعٍ فِي عَمَلٍ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ. كَانَ مِنْ أَشْهَرِ الْأَيْمَانِ الْحَائِلَةِ بَيْنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ، أَيْمَانُ الرِّجَالِ عَلَى مُهَاجَرَةِ نِسَائِهِمْ، فَإِنَّهَا تَجْمَعُ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّ حُسْنَ الْمُعَاشَرَةِ مِنَ الْبِرِّ بَيْنَ الْمُتَعَاشِرِينَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النِّسَاء: 19] فَامْتِثَالُهُ مِنَ التَّقْوَى، وَلِأَنَّ دَوَامَهُ مِنْ دَوَامِ الْإِصْلَاحِ، وَيَحْدُثُ بِفَقْدِهِ الشِّقَاقُ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلتَّقْوَى. وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُولِي مِنِ امْرَأَتِهِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُهُ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلَا كَلَامَ لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: «كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُرِيدُ الْمَرْأَةَ، وَلَا يُحِبُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا، لِئَلَّا يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ، فَكَانَ يَحْلِفُ أَلَّا يَقْرَبَهَا مُضَارَّةً لِلْمَرْأَةِ» أَيْ وَيُقْسِمَ عَلَى ذَلِكَ لِكَيْلَا يَعُودَ إِلَيْهَا إِذَا حَصَلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ النَّدَمِ. قَالَ: «ثُمَّ كَانَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، فَأَزَالَ اللَّهُ ذَلِكَ، وَأَمْهَلَ لِلزَّوْجِ مُدَّةً حَتَّى يَتَرَوَّى» فَكَانَ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ أَهَمِّ الْمَقَاصِدِ فِي أَحْكَامِ الْأَيْمَانِ، الَّتِي مَهَّدَ لَهَا بِقَوْلِهِ: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً [الْبَقَرَة: 224] .
وَالْإِيلَاءُ: الْحَلِفُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ الْحَلِفُ مُطْلَقًا يُقَالُ آلَى يُولِي إِيلَاءً، وَتَأْلَى يَتَأَلَّى تَأَلِّيًا، وَائْتَلَى يَأْتَلِي ائْتِلَاءً، وَالِاسْمُ الْأَلُوَّةُ وَالْأَلِيَّةُ، كِلَاهُمَا بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ وَاوِيُّ فَالْأُلُوَّةُ فُعُولَةٌ وَالْأَلِيَّةُ فَعِيلَةٌ.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: «الْإِيلَاءُ حَلِفٌ يَقْتَضِي التَّقْصِيرَ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأُلُوِّ وَهُوَ
الصفحة 384