كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 4)

لِأَنَّ قَوْلَهُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ وَصْفٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ إِرَادَةُ التَّقْيِيدِ كَمَا أُرِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً عَنْ حَضَانَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ. وَنُسِبَ الْأَخْذُ بِهَذَا الظَّاهِرِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَوَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّحَاوِيُّ صِحَّةَ سَنَدِ النَّقْلِ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّهُ نَقْلٌ بَاطِلٌ. وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى بِصِحَّةِ نِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ. وَقَالَ بِذَلِكَ الظَّاهِرِيَّةُ، وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَوْنِهَا رَبِيبَةً وَمَا حَدَثَ مِنَ الْوَقَارِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَاجِرِهَا إِذَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ وَأَمَّا جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَجَعَلُوا هَذَا الْوَصْفَ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ خَارِجًا مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَجَعَلُوا الرَّبِيبَةَ حَرَامًا عَلَى زَوْجِ أُمِّهَا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ هِيَ فِي حِجْرِهِ. وَكَأَنَّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ هُوَ النَّظَرُ إِلَى عِلَّةِ تَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالصِّهْرِ، وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا كَلَامُ الْفَخْرِ الْمُتَقَدِّمُ. وَعِنْدِي أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ هُنَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ: أَيْ لِأَنَّهُنَّ فِي حُجُورِكُمْ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ بِالْمَظِنَّةِ فَلَا يَقْتَضِي اطِّرَادَ الْعِلَّةِ فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِ الْحُكْمِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ذُكِرَ قَوْلُهُ: مِنْ نِسائِكُمُ لِيُبْنَى عَلَيْهِ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَهُوَ قَيْدٌ فِي تَحْرِيمِ الرَّبَائِبِ بِحَيْثُ لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إِلَّا إِذَا وَقَعَ الْبِنَاءُ بِأُمِّهَا، وَلَا يُحَرِّمُهَا مُجَرَّدُ الْعَقْدِ عَلَى أُمِّهَا، وَهَذَا الْقَيْدُ جَرَى هُنَا وَلَمْ يَجْرِ عَلَى قَوْلِهِ:
وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ بَلْ أُطْلِقَ الْحُكْمُ هُنَاكَ، فَقَالَ الْجُمْهُورُ هُنَاكَ: أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ مَعْنَاهُ أُمَّهَاتُ أَزْوَاجِكُمْ، فَأُمُّ الزَّوْجَةِ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الرَّجُلِ عَلَى ابْنَتِهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ يُصَيِّرُهَا امْرَأَتَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الدُّخُولُ وَلَمْ يَحْمِلُوا الْمُطْلَقَ مِنْهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بَعْدَهُ، وَلَا جَعَلُوا الصِّفَةَ
رَاجِعَةً لِلْمُتَعَاطِفَاتِ لِأَنَّهَا جَرَتْ عَلَى مَوْصُوفٍ مُتَعَيِّنٍ تَعَلُّقُهُ بِأَحَدِ الْمُتَعَاطِفَاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
مِنْ نِسائِكُمُ الْمُتَعَلِّقُ بِقَوْلِهِ: وَرَبائِبُكُمُ وَلَا يَصْلُحُ تَعَلُّقُهُ بِ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ: لَا تَحْرُمُ أُمُّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِ ابْنَتِهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِابْنَتِهَا حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مَحْمَلًا. وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْجُمْهُورُ أَنْ

الصفحة 299