كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 5)

[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 138 إِلَى 141]
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)
اسْتِئْنَاف ابتدائي ناشىء عَنْ وَصْفِ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا، فَإِنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُظْهِرِينَ الْكُفْرَ بِمُحَمَّدٍ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ ثَمَّةَ طَائِفَةٌ تُبْطِنُ الْكُفْرَ وَهُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ، وَلَمَّا كَانَ التَّظَاهُرُ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ تَعْقِيبُهُ بِالْكُفْرِ ضَرْبًا مِنَ التَّهَكُّمِ بِالْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، جِيءَ فِي جَزَاءِ عَمَلِهِمْ بِوَعِيدٍ مُنَاسِبٍ لِتَهَكُّمِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ إِذْ قَالَ: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ، فَإِنَّ الْبِشَارَةَ هِيَ الْخَبَرُ بِمَا يَفْرَحُ الْمُخْبَرُ بِهِ، وَلَيْسَ الْعَذَابُ كَذَلِكَ، وَلِلْعَرَبِ فِي التَّهَكُّمِ أَسَالِيبُ كَقَوْلِ شَقِيقِ ابْن سُلَيْكٍ الْأَسَدِيِّ:
أَتَانِي مِنْ أَبِي أنس وَعِيد ... فسلىّ لِغَيْظَةِ الضَّحَّاكِ جِسْمِي
وَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
فَإِنَّكَ سَوْفَ تَحْلُمُ أَوْ تَنَاهَى ... إِذَا مَا شِبْتَ أَوْ شَابَ الْغُرَابُ
وَقَوْلِ ابْنِ زَيَّابَةَ:
نُبِّئْتُ عَمْرًا غَارِزًا رَأْسَهُ ... فِي سِنَةٍ يُوعِدُ أَخْوَالَهُ

وَتِلْكَ مِنْهُ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ ... أَنْ يَفْعَلَ الشَّيْءَ إِذَا قَالَهُ

الصفحة 233