كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 6)

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نُؤْتِيهِمْ- بِنُونِ الْعَظَمَةِ. وَقَرَأَهُ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ- بِيَاءِ الْغَائِبِ- وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ.
[153، 154]

[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 153 إِلَى 154]
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154)
لَمَّا ذَكَرَ مَعَاذِيرَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فِي إِنْكَارِهِمْ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْقَبَهَا بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنِ اقْتِرَاحِهِمْ مَجِيءَ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى وِفْقِ مَطَالِبِهِمْ. وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ.
وَمَجِيءُ الْمُضَارِعِ هُنَا: إِمَّا لِقَصْدِ اسْتِحْضَارِ حَالَتِهِمُ الْعَجِيبَةِ فِي هَذَا السُّؤَالِ حَتَّى كَأَنَّ السَّامِعَ يَرَاهُمْ كَقَوْلِهِ: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ [هود: 38] ، وَقَوْلِهِ: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات: 12] ، وَقَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً [فاطر: 9] . وَإِمَّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكْرَارِ السُّؤَالِ وَتَجَدُّدِهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى بِأَنْ يَكُونُوا أَلَحُّوا فِي هَذَا السُّؤَالِ لِقَصْدِ الْإِعْنَاتِ، كَقَوْلِ طَرِيفِ بْنِ تَمِيمٍ الْعَنْبَرِيِّ:
بَعَثُوا إِلَيَّ عَرِيفَهُمْ يَتَوَسَّمُ أَيْ يُكَرِّرُ التَّوَسُّمَ. وَالْمَقْصُودُ عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ التَّعْجِيبُ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى. وَالسَّائِلُونَ هُمُ الْيَهُودُ، سَأَلُوا مُعْجِزَةً مِثْلَ مُعْجِزَةِ مُوسَى بِأَنْ يُنَزَّلَ

الصفحة 13