كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 6)
وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ يَقْذِفُ فِي نُفُوسِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الشَّكَّ فِي صِحَّةِ الصَّلْبِ، فَلَا يَزَالُ الشَّكُّ يُخَالِجُ قُلُوبَهُمْ وَيَقْوَى حَتَّى يَبْلُغَ مَبْلَغَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلْبِ فِي آخِرِ أَعْمَارِهِمْ تَصْدِيقًا لِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَذَّبَ أَخْبَارَهُمْ فَنَفَى الصَّلْبَ عَنْ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مَوْتِهِ عَائِدٌ إِلَى عِيسَى، أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، فَفَرَّعَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا تَفَارِيعَ: مِنْهَا أَنَّ مَوْتَهُ لَا يَقَعُ إِلَّا آخِرَ الدُّنْيَا لِيَتِمَّ إِيمَانُ جَمِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْمَوْتِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ إِيمَانَهُمْ مُسْتَقْبَلًا وَجَعَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ مُسْتَقْبَلًا وَمِنْهَا مَا
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَنْزِلُ فِي آخِرِ مُدَّةِ الدُّنْيَا لِيُؤْمِنَ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ
، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يُبْطِلُ هَذَا التَّفْسِيرَ: لِأَنَّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ- عَلَى حَسَبِ هَذَا التَّأْوِيلِ- هُمُ الَّذِينَ سَيُوجَدُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا جَمِيعُهُمْ.
وَالشَّهِيدُ: الشَّاهِدُ يَشْهَدُ بِأَنَّهُ بَلَّغَ لَهُمْ دَعْوَةَ رَبِّهِمْ فَأَعْرَضُوا، وَبِأَنَّ النَّصَارَى بَدَّلُوا،
وَمَعْنَى الْآيَةِ مُفَصَّلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ الْآيَاتِ فِي سُورَة الْعُقُود [109] .
[160- 162]
[سُورَة النِّسَاء (4) : الْآيَات 160 إِلَى 162]
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً
الصفحة 25