كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 7)

وَعَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ:
أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَحْنٌ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي زَعْمِهِ، أَوْ أَخْطَأَ مَنْ عَزَاهُ إِلَيْهِ.
وَقَرَأَهُ الْبَقِيَّةُ- بِتَشْدِيدِ النُّونِ- لِإِدْغَامِ نُونِ الرَّفْعِ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ لِقَصْدِ التَّخْفِيفِ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ تُمَدُّ الْوَاوُ لِتَكُونَ الْمَدَّةُ فَاصِلَةً بَيْنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، لِأَنَّ الْمَدَّةَ خِفَّةٌ وَهَذَا الِالْتِقَاءُ هُوَ الَّذِي يَدْعُونَهُ الْتِقَاءَ السَّاكِنَيْنِ عَلَى حِدَةٍ.
وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ هَدانِ لِلتَّخْفِيفِ وَصْلًا وَوَقْفًا فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ قَالُونَ، وَفِي الْوَقْفِ فَقَطْ فِي قِرَاءَةِ بَعْضِ الْعَشَرَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [الْبَقَرَة: 186] .
وَقَوْلُهُ: وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى أَتُحاجُّونِّي فَتَكُونُ إِخْبَارًا، أَوْ عَلَى جُمْلَةِ وَقَدْ هَدانِ فَتَكُونُ تَأْكِيدًا لِلْإِنْكَارِ. وَتَأْكِيدُ الْإِنْكَارِ بِهَا أَظْهَرُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ وَقَدْ هَدانِ لِأَنَّ عَدَمَ خَوْفِهِ مِنْ آلِهَتِهِمْ قَدْ ظَهَرَتْ دَلَائِلُهُ عَلَيْهِ. فَقَوْمُهُ إِمَّا عَالِمُونَ بِهِ أَوْ مُنْزَلُونَ مَنْزِلَةَ الْعَالِمِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْ هَدانِ وَهُوَ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمْ حَاجُّوهُ فِي التَّوْحِيدِ وَخَوَّفُوهُ بَطْشَ آلِهَتِهِمْ وَمَسَّهُمْ إِيَّاهُ بِسُوءٍ، إِذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ إِنْكَارِ مُحَاجَّتِهِمْ إِيَّاهُ وَبَيْنَ نَفْيِ خَوْفِهِ مِنْ آلِهَتِهِمْ، وَلَا بَيْنَ هُدَى اللَّهِ إِيَّاهُ وَبَيْنَ نَفْيِ خَوْفِهِ آلِهَتَهُمْ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ خَوَّفُوهُ مَكْرَ آلِهَتِهِمْ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْ قَوْمِ هُودٍ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود: 54] .
وَ (مَا) مِنْ قَوْلِهِ: مَا تُشْرِكُونَ بِهِ مَوْصُولَةٌ مَا صَدَّقَهَا آلِهَتُهُمُ الَّتِي جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فَتَكُونُ الْبَاءُ
لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ تُشْرِكُونَ، وَأَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى (مَا) الْمَوْصُولَةُ فَتَكُونُ الْبَاءُ سَبَبِيَّةً، أَيِ الْأَصْنَامُ الَّتِي بِسَبَبِهَا أَشْرَكْتُمْ.
وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَقَدْ جَعَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا بِمَعْنَى لَكِنْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّبَرِيِّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَإِنَّهُ لَمَّا نَفَى أَنْ يَكُونَ يَخَافُ إِضْرَارَ آلِهَتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ يَتَوَهَّمُ مِنْهُ السَّامِعُونَ أَنَّهُ لَا يَخَافُ شَيْئًا

الصفحة 328