كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 7)

[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 81]
وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
عُطِفَتْ جُمْلَةُ وَكَيْفَ أَخافُ عَلَى جُمْلَةِ: وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ [الْأَنْعَام: 80] لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ عَدَمَ خَوْفِهِ مِنْ آلِهَتِهِمْ أَقَلُّ عَجَبًا مِنْ عَدَمِ خَوْفِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا يَعْرِفُونَ اللَّهَ وَأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا مَعَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ غَيْرَهُ فَلِذَلِكَ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِرَبِّهِمُ الْمُعْتَرِفِ بِهِ دُونَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا بِذَلِكَ.
وكَيْفَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ، لِأَنَّهُمْ دَعَوْهُ إِلَى أَنْ يَخَافَ بَأْسَ الْآلِهَةِ فَأَنْكَرَ هُوَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَقَلَبَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَخَافُوا اللَّهَ حِينَ أَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ بِدُونِ دَلِيلٍ نَصَبَهُ لَهُمْ فَجَمَعَتْ (كَيْفَ) الْإِنْكَارَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ.
قَالُوا وَفِي قَوْلِهِ: وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً عَلَى جُمْلَةِ:
أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ فَيَدْخُلُ كِلْتَاهُمَا فِي حُكْمِ الْإِنْكَارِ، فَخَوْفُهُ مِنْ آلِهَتِهِمْ مُنْكَرٌ، وَعَدَمُ خَوْفِهِمْ مِنَ اللَّهِ مُنْكَرٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ فَيَكُونَ مَحَلُّ الْإِنْكَارِ هُوَ دَعْوَتُهُمْ إِيَّاهُ إِلَى الْخَوْفِ مِنْ آلِهَتِهِمْ فِي حَالِ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْخَوْفِ مِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ سُلْطَانًا وَأَشَدُّ بَطْشًا، فَتُفِيدُ (كَيْفَ) مَعَ الْإِنْكَارِ مَعْنَى التَّعْجِيبِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [الْبَقَرَة: 44] . وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ تَخْوِيفَهُمْ إِيَّاهُ مِنْ أَصْنَامِهِمْ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ إِلَّا فِي حَالِ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَلَى هَذَا إِنْكَارُ تَحْمِيقٍ وَمُقَابَلَةِ حَالٍ بِحَالٍ، لَا بَيَانُ مَا هُوَ مُنْكَرٌ وَمَا لَيْسَ بِمُنْكَرٍ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ أَبْلَغُ.
وَمَا أَشْرَكْتُمْ مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ مَا أَشْرَكْتُمْ بِهِ. حُذِفَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ:
وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ [الْأَنْعَام:] عَلَيْهِ، وَالْمَوْصُولُ فِي مَحَلِّ الْمَفْعُولِ (بِهِ) ، لِ مَا أَشْرَكْتُمْ.

الصفحة 330