كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 7)

وَجَوَابُ (لَوْ) مَحْذُوفٌ لَقَصْدِ التَّهْوِيلِ. وَالْمَعْنَى: لَرَأَيْتَ أَمْرًا مُفْظِعًا. وَحَذْفُ جَوَابِ (لَوْ) فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ شَائِعٌ فِي الْقُرْآنِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَو ترى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ فِي سُورَة الْبَقَرَة [165] .
[94]

[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 94]
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)
إِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْمُقَدَّرُ فِي جُمْلَةِ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الْأَنْعَام: 93] قَوْلًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ قَوْلُهُ وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الْأَنْعَام: 93] ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ حِينَ دَفَعَهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْعَذَابِ: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ: لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى. فَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِالْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ. وَعَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَمَراتِ الْمَوْتِ [الْأَنْعَام: 93] حَقِيقَةً، أَيْ فِي حِينِ النَّزْعِ يَكُونُ فِعْلُ جِئْتُمُونا مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْمَاضِي
عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ، مِثْلُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ قَارَبُوا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى مَحْضِ تَصَرُّفِ اللَّهِ فِيهِمْ.
وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْمُقَدَّرُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ فَجُمْلَةُ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ [الْأَنْعَام: 93] فَانْتَقَلَ الْكَلَامُ مِنْ خِطَابِ الْمُعْتَبِرِينَ بِحَالِ الظَّالِمِينَ إِلَى خِطَابِ الظَّالِمِينَ أَنْفُسِهِمْ بِوَعِيدِهِمْ بِمَا سَيَقُولُ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ.
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ جِئْتُمُونا حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي لِأَنَّهُمْ حِينَمَا يُقَالُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ قَدْ حَصَلَ مِنْهُمُ الْمَجِيءُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ. وَ (قَدْ) لِلتَّحْقِيقِ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ الْمَاضِي مُعَبَّرًا بِهِ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ، وَتَكُونُ (قَدْ) تَرْشِيحًا لِلِاسْتِعَارَةِ.

الصفحة 381