كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 7)

وَجُمْلَةُ: إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ عِلَّةٌ لِلْأَمْرِ بِالنَّظَرِ. وَمُوقِعُ (إِنَّ) فِيهِ مَوْقِعُ لَامِ التَّعْلِيلِ، كَقَوْلِ بَشَّارٍ:
إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكُمْ إِلَى الْمَذْكُورِ كُلِّهِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ- إِلَى قَوْلِهِ- وَيَنْعِهِ فَتَوْحِيدُ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [68] .
ولِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَصْفٌ لِلْآيَاتِ. وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْمُعَلَّلُ هُوَ مَا فِي مَدْلُولِ الْآيَاتِ مِنْ مُضَمَّنِ مَعْنَى الدَّلَالَةِ وَالنَّفْعِ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا بِأَنَّ الْآيَاتِ إِنَّمَا تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ تَصْرِيحًا بِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ فِي الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِقَوْلِهِ: لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الْأَنْعَام: 97] وَقَوْلِهِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [الْأَنْعَام: 98] ، وَإِتْمَامًا لِلتَّعْرِيضِ بِأَنَّ غَيْرَ الْعَالَمِينَ وَغَيْرَ الْفَاقِهِينَ هُمْ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي الْمُشْركين.
[100]

[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 100]
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100)
عَطَفَ عَلَى الْجُمَلِ قَبْلَهُ عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ، فَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي جَعَلُوا عَائِدٌ إِلَى قَوْمُكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ [الْأَنْعَام: 66] .
وَهَذَا انْتِقَالٌ إِلَى ذِكْرِ شِرْكٍ آخَرَ مِنْ شِرْكِ الْعَرَبِ وَهُوَ جَعْلُهُمُ الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِمْ كَمَا جَعَلُوا الْأَصْنَامَ شُرَكَاءَ لَهُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ كَانَ دِينُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَلِيطًا
مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَمِنَ الصَّابِئِيَّةِ عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَعِبَادَةِ الشَّيَاطِينِ، وَمَجُوسِيَّةِ الْفُرْسِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ لِجَهْلِهِمْ حِينَئِذٍ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ مِنَ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ وَالَّتِي يَرْحَلُونَ إِلَيْهَا عَقَائِدَ شَتَّى مُتَقَارِبًا بَعْضُهَا وَمُتَبَاعِدًا بَعْضُ، فَيَأْخُذُونَهُ بِدُونِ

الصفحة 404