كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 7)

فَإِنْ أُرِيدَ مَا أَنْتَ بِوَكِيلٍ مِنَّا عَلَيْهِمْ كَانَ تَتْمِيمًا لقَوْله: وَما جَعَلْناكَ (¬1) عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَإِنْ أُرِيدَ مَا أَنْتَ بِوَكِيلٍ مِنْهُمْ عَلَى تَحْصِيلِ نَفْعِهِمْ كَانَ اسْتِيعَابًا لِنَفْيِ أَسْبَابِ التَّبِعَةِ عَنْهُ فِي عَدَمِ إِيمَانِهِمْ، يَقُولُ: مَا أَنْتَ بِوَكِيلٍ عَلَيْهِمْ وَكَّلُوكَ لِتَحْصِيلِ مَنَافِعِهِمْ كَإِيفَاءِ الْوَكِيلِ بِمَا وَكَّلَهُ عَلَيْهِ مُوَكِّلُهُ، أَيْ فَلَا تَبِعَةَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ وَلَا تَقْصِيرَ لِانْتِفَاءِ سَبَبَيِ التَّقْصِيرِ إِذْ لَيْسَ مَقَامُكَ مَقَامَ حَفِيظٍ وَلَا وَكِيلٍ. فَالْخَبَرُ أَيْضًا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّذْكِيرِ بِلَازِمِهِ لَا فِي حَقِيقَتِهِ مِنْ إِفَادَةِ الْمُخْبَرِ بِهِ، وَعَلَى كلا الْمَعْنيين لَا بدّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي قَوْلِهِ: عَلَيْهِمْ، أَيْ عَلَى نَفْعِهِمْ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَفِيظِ وَالْوَكِيلِ هُنَا فِي خَبَرَيْنِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [الْأَنْعَام: 104] . مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكِيلِ والحفيظ فاذكره.
[108]

[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 108]
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108)
عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الْأَنْعَام: 106] يَزِيدُ مَعْنَى الْإِعْرَاضِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَيَانًا، وَيُحَقِّقُ مَا قُلْنَاهُ أَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودَ مِنَ الْإِعْرَاضِ تَرْكُ الدَّعْوَةِ بَلِ الْمَقْصُودُ الْإِغْضَاءُ عَنْ سِبَابِهِمْ وَبَذِيءِ أَقْوَالِهِمْ مَعَ الدَّوَامِ عَلَى مُتَابَعَةِ الدَّعْوَةِ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ سَبِّ أَصْنَامِهِمْ يُؤْذِنُ بِالِاسْتِرْسَالِ عَلَى دَعْوَتِهِمْ وَإِبْطَالِ مُعْتَقَدَاتِهِمْ مَعَ تَجَنُّبِ الْمُسْلِمِينَ سَبَّ مَا يَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وَالسَّبُّ: كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْقِيرِ أَحَدٍ أَوْ نِسْبَتِهِ إِلَى نَقِيصَةٍ أَوْ مَعَرَّةٍ، بِالْبَاطِلِ أَوْ بِالْحَقِّ، وَهُوَ مُرَادِفُ الشَّتْمِ. وَلَيْسَ مِنَ السَّبِّ النِّسْبَةُ إِلَى خَطَأٍ فِي الرَّأْيِ أَوِ الْعَمَلِ، وَلَا
النِّسْبَةُ إِلَى ضَلَالٍ فِي الدِّينِ إِنْ كَانَ صَدَرَ مِنْ مُخَالِفٍ فِي الدِّينِ.
وَالْمُخَاطَبُ بِهَذَا النَّهْيِ الْمُسْلِمُونَ لَا الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ
¬_________
(¬1) فِي المطبوعة: (أَرْسَلْنَاك) .

الصفحة 427