كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 7)

وَالْمُخَاطَبُ بِ يُشْعِرُكُمْ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَالْمُؤْمِنُونَ،
وَذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ قَوْلَهُ: لَا يُؤْمِنُونَ- بِيَاءِ الْغَيْبَةِ-. وَالْمُخَاطَبُ بِ يُشْعِرُكُمْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ، وَحَمْزَةَ، وَخَلَفٍ لَا تُؤْمِنُونَ- بِتَاءِ الْخِطَابِ-، وَتَكُونُ جُمْلَةُ وَما يُشْعِرُكُمْ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَمر الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ.
وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّشْكِيكِ وَالْإِيقَاظِ، لِئَلَّا يَغُرَّهُمْ قَسَمُ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُرَوَّجُ عَلَيْهِمْ تُرَّهَاتُهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ فِي الِاسْتِفْهَامِ شَيْءٌ مِنَ الْإِنْكَارِ وَلَا التَّوْبِيخِ وَلَا التَّغْلِيظِ إِذْ لَيْسَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ وَلَا فِي حَالِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يُؤْثَرُ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا يَقْتَضِي إِرَادَةَ توبيخهم وَلَا تغليطهم، إِذْ لَمْ يَثْبُتُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ طَمِعُوا فِي حُصُولِ إِيمَانِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أَنْ يُجَابُوا إِلَى إِظْهَارِ آيَةٍ حَسَبَ مُقْتَرَحِهِمْ، وَكَيف والمسلمون يقرأون قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَات رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ وَهِيَ فِي سُورَةِ يُونُسَ [96، 97] وَهِيَ نَازِلَةٌ قَبْلَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَقَدْ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ كَذِبَ الْمُشْرِكِينَ فِي الدِّينِ وَتَلَوُّنَهُمْ فِي اخْتِلَاقِ الْمَعَاذِيرِ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ تَحْقِيقُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَسِيقَ الْخَبَرُ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مِنْ شَأْنه أَن يهيّء نَفْسَ السَّامِعِ لِطَلَبِ جَوَابِ ذَلِكَ الِاسْتِفْهَامِ فَيَتَأَهَّبُ لِوَعْيِ مَا يَرُدُّ بَعْدَهُ.
وَالْإِشْعَارُ: الْإِعْلَامُ بِمَعْلُومٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخْفَى وَيَدِقَّ. يُقَالُ: شَعَرَ فُلَانٌ بِكَذَا، أَيْ عَلِمَهُ وَتَفَطَّنَ لَهُ، فَالْفِعْلُ يَقْتَضِي مُتَعَلِّقًا بِهِ بَعْدَ مَفْعُولِهِ وَيَتَعَيَّنُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ، فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ بَاءِ الْجَرِّ. وَالتَّقْدِيرُ: بِأَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ، فَحَذْفُ الْجَارِّ مَعَ (أَنَّ) الْمَفْتُوحَةِ حَذْفٌ مُطَّرِدٌ.
وَهَمْزَةُ (أَنَّ) مَفْتُوحَةٌ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَالْمَعْنَى أَمُشْعِرٌ يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ، أَيْ بِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ.

الصفحة 437