كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 8-أ)
وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ.
إِظْهَار لِلْعَدْلِ، فَلِذَلِكَ سَجَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ هَذَا لَا ظُلْمَ فِيهِ لِيُنْصِفُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا عَدُّ عَوْدِ الضَّمِيرَيْنِ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يُنَاسب فَرِيقُ أَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لِلَّذِي أُكْرِمَ وَأُفِيضَ عَلَيْهِ الْخَيْرُ إِنَّهُ غير مظلوم.
[161]
[سُورَة الْأَنْعَام (6) : آيَة 161]
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلِانْتِقَالِ مِنْ مُجَادَلَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَمَا تَخَلَّلَهَا، إِلَى فَذْلَكَةِ مَا أُمِرَ بِهِ الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الشَّأْنِ، غَلْقًا لِبَابِ الْمُجَادَلَةِ مَعَ الْمُعْرِضِينَ، وَإِعْلَانًا بِأَنَّهُ قَدْ تَقَلَّدَ لِنَفْسِهِ مَا كَانَ يُجَادِلُهُمْ فِيهِ لِيَتَقَلَّدُوهُ وَأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا جَاءَهُمْ بِهِ، وَأَنَّ إِعْرَاضَهُمْ لَا يُزَلْزِلُهُ عَنِ الْحَقِّ.
وَفِيهِ إِيذَانٌ بِانْتِهَاءِ السُّورَةِ لِأَنَّ الْوَاعِظَ وَالْمُنَاظِرَ إِذَا أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي غَرَضِهِ، ثُمَّ أَخَذَ يُبَيِّنُ مَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ وَمَا قَرَّ عَلَيْهِ قَرَارُهُ، عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ يَطْوِي سِجِلَّ الْمُحَاجَّةِ، وَلِذَلِكَ غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ. فَأمر الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ أَشْيَاءَ يُعْلِنُ بِهَا أُصُولَ دِينِهِ، وَتَكَرَّرَ الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَنْوِيهًا بِالْمَقُولِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [الْأَنْعَام: 153] الَّذِي بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ [الْأَنْعَام: 92] فَزَادَهُ بَيَانًا بِقَوْلِهِ هَذَا: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، لِيُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الدِّينَ إِنَّمَا جَاءَ بِهِ الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْيٍ
الصفحة 197
215