كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 8-ب)

فِي نَظَائِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، مثل قَوْله: وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ [الْأَعْرَاف: 82] ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لِاطِّرَادِ هَذَا الِاعْتِبَارِ مَعَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ مِنْ (أَنْ)
وَالْفِعْلِ عِلَّةً لَفْظِيَّةً: وَهِيَ كَوْنُ الْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ يُشْبِهُ الضَّمِيرَ فِي أَنَّهُ لَا يُوصَفُ، فَكَانَ أَعْرَفَ مِنْ غَيْرِهِ، فَلِذَلِكَ كَانَ حَقِيقًا بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الِاسْمُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأَعْرَفَ مِنَ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مُسْندًا إِلَيْهِ.
[6، 7]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 6 إِلَى 7]
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (7)
الْفَاءُ فِي قَوْله: فَلَنَسْئَلَنَّ عَاطِفَةٌ، لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لِأَنَّ وُجُودَ لَامِ الْقَسَمِ عَلَّامَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ أُنُفٌ انْتِقَالٌ مِنْ خَبَرٍ إِلَى خَبَرٍ، وَمِنْ قِصَّةٍ إِلَى قِصَّةٍ وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ حَالَتِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ.
وَأُكِّدَ الْخَبَرُ بِلَامِ الْقَسَمِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ لِإِزَالَةِ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ.
وَسُؤَالُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ سُؤَالٌ عَنْ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ. وَهُوَ سُؤَالُ تَقْرِيعٍ فِي ذَلِكَ الْمَحْشَرِ، قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [الْقَصَص: 65] .
وَسُؤَالُ الْمُرْسَلِينَ عَنْ تَبْلِيغِهِمُ الرِّسَالَةَ سُؤَالُ إِرْهَابٍ لِأُمَمِهِمْ، لِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا شَهَادَةَ رُسُلِهِمْ عَلَيْهِمْ أَيْقَنُوا بِأَنَّهُمْ مَسُوقُونَ إِلَى الْعَذَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النِّسَاء: 41]- وَقَوْلِهِ- يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [الْمَائِدَة:
109] .
والَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ، هُمْ أُمَمُ الرُّسُلِ، وَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْمَوْصُولِ لِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الصِّلَةُ مِنَ التَّعْلِيلِ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْإِرْسَالِ هِيَ إِجَابَةُ الرُّسُلِ، فَلَا

الصفحة 26