كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 8-ب)

بِالْأَخْبَارِ لَا تَكُونُ تَامَّةً عِنْدَهُ مِثْلَ الْمُشَاهِدِ، أَيْ: وَمَا كُنَّا جَاهِلِينَ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، لِأَنَّنَا مُطَّلِعُونَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا النَّفْيُ لِلْغَيْبَةِ مِثْلَ إِثْبَاتِ الْمَعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الْحَدِيد: 4] .
وَإِثْبَاتُ سُؤَالِ الْأُمَمِ هُنَا لَا يُنَافِي نَفْيَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [الْقَصَص: 78]- وَقَوْلِهِ- فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرَّحْمَن: 39] لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ هُنَا هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْمَنْفِيُّ فِي الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ هُوَ السُّؤَالُ لِمَعْرِفَةِ تَفَاصِيلِ ذُنُوبِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي أُرِيدَ هُنَا فِي قَوْلِهِ: وَما كُنَّا غائِبِينَ.
[8، 9]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : الْآيَات 8 إِلَى 9]
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (9)
عطف جُمْلَةُ: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ عَلَى جملَة فَلَنَقُصَّنَّ [الْأَعْرَاف: 7] ، لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا مِنَ الْعِلْمِ بِحَسَنَاتِ النَّاسِ وَسَيِّئَاتِهِمْ، فَلَا جَرَمَ أَشْعَرَتْ بِأَنَّ مَظْهَرَ ذَلِكَ الْعِلْمِ وَأَثَرَهُ هُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَتَفَاوُتُ دَرَجَاتِ الْعَامِلِينَ وَدَرَكَاتِهِمْ تَفَاوُتًا لَا يُظْلَمُ الْعَامِلُ فِيهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَلَا يَفُوتُ مَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ بِرَفْعِ دَرَجَةٍ أَوْ مَغْفِرَةِ زَلَّةٍ لِأَجْلِ سَلَامَةِ قَلْبٍ أَوْ شَفَاعَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْ عِبَادِهِ، فَلِذَلِكَ عُقِّبَتْ جملَة: فَلَنَقُصَّنَّ [الْأَعْرَاف: 7] بِجُمْلَةِ: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَلَنُجَازِيَنَّهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ جَزَاءً لَا غَبْنَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ.
وَالتَّنْوِينُ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ عِوَضٌ عَنْ مُضَافٍ إِلَيْهِ دَلَّ عَلَيْهِ:

الصفحة 28