كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 9)

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 198]
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لَا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ [الْأَعْرَاف: 197] الْآيَةَ أَيْ قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ: وَإِنْ تَدْعُوا الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا.
وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ، أَيِ الْأَصْنَامُ.
وَالْهُدَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا فِيهِ رُشْدٌ وَنَفْعٌ لِلْمَدْعُوِّ. وَذِكْرُ إِلَى الْهُدَى لِتَحْقِيقِ عَدَمِ سَمَاعِ الْأَصْنَامِ، وَعَدَمِ إِدْرَاكِهَا، لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَةِ مَا يَنْفَعُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ.
وَلِهَذَا خُولِفَ بَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا لَا يَسْمَعُوا وَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ لَا يَتَّبِعُوكُمْ [الْأَعْرَاف: 193] لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا الِاتِّبَاعُ، إِذْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا الْمَشْيُ الْحَقِيقِيُّ وَلَا الْمَجَازِيُّ أَيِ الِامْتِثَالُ.
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ وَتَراهُمْ لِمَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُخَاطَبَ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ.
وَمَعْنَى يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ تَرَاهُمْ كَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، لِأَنَّ صُوَرَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَصْنَامِ كَانَ عَلَى صُوَرِ الْأَنَاسِيِّ وَقَدْ نَحَتُوا لَهَا أَمْثَالَ الْحِدَقِ النَّاظِرَةِ إِلَى الْوَاقِفِ أَمَامَهَا قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» «لِأَنَّهُمْ صَوَّرُوا أَصْنَامَهُمْ بِصُورَةِ مَنْ قَلَّبَ حَدَقَتَهُ إِلَى الشَّيْءِ ينظر إِلَيْهِ» .
[199]

[سُورَة الْأَعْرَاف (7) : آيَة 199]
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)
أَشْبَعَتْ هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ أَفَانِينِ قَوَارِعِ الْمُشْرِكِينَ وَعِظَتِهِمْ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَبَعَثَتْهُمْ عَلَى التَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ فِي دَلَائِلِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَصدق رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُدَى دِينِهِ وَكِتَابِهِ وَفَضْحِ ضَلَالِ الْمُشْرِكِينَ وَفَسَادِ مُعْتَقَدِهِمْ وَالتَّشْوِيهِ بِشُرَكَائِهِمْ، وَقَدْ تَخَلَّلَ ذَلِك كلّه التسجيل بِمُكَابَرَتِهِمْ، وَالتَّعْجِيبِ مِنْهُمْ كَيفَ يركبون رؤوسهم، وَكَيف يَنْأَوْنَ بِجَانِبِهِمْ، وَكَيْفَ يُصِمُّونَ أَسْمَاعَهُمْ، وَيُغْمِضُونَ أَبْصَارَهُمْ عَمَّا دُعُوا إِلَى سَمَاعِهِ وَإِلَى النَّظَرِ فِيهِ، وَنُظِرَتْ أَحْوَالُهُمْ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا مِنْ قَبْلِهِمْ،

الصفحة 225