كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 9)

وَالنَّجَاسَةُ تُلَائِمُ طَبْعَ الشَّيْطَانِ.
وَتَقْدِيرُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ، لِأَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى مَدٍّ وَحَرْفٍ بَعْدَهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَالَّتِي بَعْدَهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاهْتِمَامِ بِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ أَيْ يُؤَمِّنَكُمْ بِكَوْنِكُمْ وَاثِقِينَ بِوُجُودِ الْمَاءِ لَا تَخَافُونَ عَطَشًا وَتَثْبِيتُ الْأَقْدَامِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنَ السَّيْرِ فِي الرَّمْلِ، بِأَنْ لَا تَسُوخَ فِي ذَلِكَ الدَّهْسِ الْأَرْجُلُ، لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُنَاسِبُ حُصُوله بالمطر.
و (الرَّبْط) حَقِيقَتُهُ شَدُّ الْوَثَاقِ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ مَجَازٌ فِي التَّثْبِيتِ وَإِزَالَةِ الِاضْطِرَابِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ رَابِطُ الْجَأْشِ وَلَهُ رَبَاطَةُ جَأْشٍ.
وعَلى مُسْتَعَارَةٌ لِتَمَكُّنِ الرَّبْطِ فَهِيَ ترشيح للمجاز.
[12، 13]

[سُورَة الْأَنْفَال (8) : الْآيَات 12 إِلَى 13]
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (13)
إِذْ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ
[الْأَنْفَال: 9] .
وَجَعَلَ الْخِطَابَ هُنَا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَطُّفًا بِهِ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي تَفْصِيلِ عَمَلِ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَا خَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَكَانَ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ بِذَلِكَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحَقُّ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ هَذَا الْعِلْمِ وَيَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْمُسْلِمِينَ تَبَعًا لَهُ، وَأَنَّ الَّذِي يَهُمُّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ نَصْرُ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ وَقَدْ حَصَلَ الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ مِنْ آيَةِ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [الْأَنْفَال: 9] وَلِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَغَاثَ اللَّهَ، وَلِذَلِكَ عُرِّفَ اللَّهُ هَنَا بَاسِمِ الرَّبِّ وَإِضَافَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُوَافِقَ أُسْلُوبَ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [الْأَنْفَال: 9] وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْوِيهِ بِقَدْرِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لُطْفًا بِهِ وَرَفْعًا لِشَأْنِهِ.
وَالْوَحْيُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُرْسَلِينَ: إِمَّا بِطَرِيقِ إِلْقَاءِ هَذَا الْأَمْرِ فِي نُفُوسِهِمْ بِتَكْوِينٍ خَاصٍّ، وَإِمَّا بِإِبْلَاغِهِمْ ذَلِكَ بِوَاسِطَةٍ.

الصفحة 280